عنهم ، وأدبر وأوى إلى بيت أحزانه معرضا عنهم وغير مهتمّ بما قالوه ، وقال من قلب مضطرم بنار الوجد : يا أسفى : أي واحزني على يوسف. والألف هنا قامت مقام ياء المتكلم. وعن الإمام الصادق عليهالسلام أنه سئل : ما بلغ من حزن يعقوب على يوسف وقد أخبره جبرائيل (ع) أنه لم يمت وأنه سيرجع إليه؟ فقال : إنه نسي ذلك .. فقد بكاه بكاء كثيرا (وَابْيَضَّتْ عَيْناهُ مِنَ الْحُزْنِ) أي ذهب سوادهما من كثرة انهمار الدموع والبكاء (فَهُوَ كَظِيمٌ) أي ممتلي بالغيظ ولكنه يكظمه : لا يظهره وإن كانت تترجم عنه عبراتا التي أتلفت عينيه.
٨٥ ـ (قالُوا تَاللهِ تَفْتَؤُا تَذْكُرُ يُوسُفَ) ... الّذين قالوا هم أولاده أو الناس قالوا ليعقوب : تفتأ تذكر يوسف : أي لا زلت تذكره ولا تنفكّ عن التحدّث به مع طول المدة (حَتَّى تَكُونَ حَرَضاً ، أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهالِكِينَ) أي حتى تمرض وتشرف على الهلاك. والحرض من حرض يعني : فسد جسمه وعقله. فلا ينبغي لك أن تبكيه حتى تؤدي بنفسك إلى الهلاك ، وفي الخصال عن الإمام الصادق عليهالسلام : البكّاؤون خمسة ... إلى أن قال : وأما يعقوب فبكى على يوسف حتى ذهب بصره حتى قيل له : تالله تفتأ تذكر يوسف ... وتلا الآية.
٨٦ ـ (قالَ إِنَّما أَشْكُوا بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللهِ) ... البثّ هو الهمّ الذي لا يقدر الإنسان على الصبر عليه فيبوح به ، أي يبثّه وينشره. فهو ما أبداه الإنسان من همّه ، والحزن هو ما أخفاه وصبر عليه. فيعقوب (ع) شكا بثّه وحزنه إلى الله وقال لمن لامه : (وَ) أنا (أَعْلَمُ مِنَ اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ) أي أن حسن ظنّه بالله تعالى هو فوق ما يدركونه لأنه متوقّع أن يأتيه الفرج قريبا ـ كما قال ـ ومن حيث لا يحتسب. وعن الإمام الصادق عليهالسلام ـ كما في الكافي ـ : أن يعقوب لمّا ذهب منه بنيامين نادى بقلب كئيب : ... يا ربّ ، أما ترحمني ، أذهبت عينيّ وأذهبت ابنيّ؟ فأوحى الله تعالى إليه : لو أمتّهما لأحييتهما لك حتى أجمع بينك وبينهما ، ولكن تذكّر الشاة التي ذبحتها