يستحقّه سواه (بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ) لا يعرفون اختصاص الحمد به ، ثم ضرب سبحانه مثلا آخر لإبطال عبادة الأصنام ، فقال عزوجل :
٧٦ ـ (وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً رَجُلَيْنِ أَحَدُهُما أَبْكَمُ) ... الأبكم هو الذي انعقد لسانه عن الكلام ولم يسمع له صوت وصار غير قادر على شيء من الأمور حقيرا كان أو جليلا ، وصفته الثانية : (وَهُوَ كَلٌّ عَلى مَوْلاهُ) أي ثقيل عليه وصفته الثالثة : (أَيْنَما يُوَجِّهْهُ) أي بأيّ جهة يرسله مولاه لأمر من الأمور يرجع خائبا كما قال سبحانه (لا يَأْتِ بِخَيْرٍ) فهذا مثل الأصنام (هَلْ يَسْتَوِي هُوَ) للاستفهام والإنكار ، يعني لا يستوي هذا الرجل مع (مَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ) أي مع رجل فصيح آمر بالحق يدعو الى الخير والرشد (وَهُوَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) أي دين قويم لا عوج فيه ، وهو مثل لذاته المقدّسة. والحاصل أن الأبكم العاجز لا يكون مساويا في الفضل للناطق الكامل مع استوائهما في البشرية ، فكيف يحكم بأن الجماد يكون مساويا لربّ العالمين؟ في المعبودية مع عدم السنخية بينهما؟ وهل هذا حكم عقل أم حكم صدر عن جحود وغير شعور؟. وحيث إن كفّار قريش كانوا يستعجلون في وقوع يوم القيامة ولم يزالوا يطلبونها منه صلوات الله عليه استهزاء فنزلت الشريفة التالية :
* * *
(وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما أَمْرُ السَّاعَةِ إِلاَّ كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٧٧) وَاللهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (٧٨) أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّراتٍ فِي جَوِّ السَّماءِ ما يُمْسِكُهُنَّ