لاتَّخَذْناهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فاعِلِينَ (١٧) بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْباطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذا هُوَ زاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ (١٨) وَلَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ وَلا يَسْتَحْسِرُونَ (١٩) يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لا يَفْتُرُونَ (٢٠))
١٦ و ١٧ ـ (وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما لاعِبِينَ) ... وجه تعلّق هذه الشريفة بما قبلها أنه لمّا بيّن قدرته وأظهر بطشه بالعصاة وإهلاكهم وإفنائهم لأنهم كذّبوا رسله وقتلوا أنبياءه بغير حق ، نبّه في هذه الآية إلى أن فعلنا معهم هذا الفعل كان عن استحقاقهم له ، وأنه عدل منّا ومجازاة على العمل القبيح بما يستحقه ، ولم يصدر إهلاكنا لهم عن غير مصلحة ولا بدون رويّة ، كما أن سائر أعمالنا كذلك تصدر عنّا لمصالح مخفيّة ، على العباد كخلقنا للسماء والأرض ، وكخلق ما بينهما من أفلاك وشموس وأهوية وغيرها ممّا لم يكن لهوا ولغوا ، وما كنّا (لاعِبِينَ) في إيجادهما وإيجاد ما فيهما من مخلوقات ، وما كانت أعمالنا إلا بالحقّ ووفق الحكمة والغاية السامية التي ترمي إلى تذكرة الناس وموعظة ذوي الاعتبار وتسبيبا لما تستقيم به أمورهم في المعاش والمعاد ، وليس ذلك من اللهو بل له غاية سامية لا تحيط بها العقول المحدودة القاصرة ، إذ (لَوْ أَرَدْنا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً لَاتَّخَذْناهُ مِنْ لَدُنَّا) فلو شئنا أن نلهو بشيء أو نلتذّ بآخر ممّا يلهي الإنسان كالزوجة والولد وغيرهما لفعلنا ذلك وجعلناه ممّا هو عندنا في السماء دون أن نأخذه من الأرض. وسبب نزول هذه الشريفة أن طائفة من النصارى قالوا إن مريم عليهاالسلام هي صاحبة الله ، وأن المسيح ابنه ـ والعياذ بالله من ذلك ـ فردّت قولهم السخيف. فاللهو بلغة اليمن هو اللعب مع المرأة ، وهي الملهو بها ، ولذلك قال سبحانه : لو شئنا أن نتّخذ