السحرة من البلاد واشتهار دعوتهما بين العباد وإلقاء الحجة على فرعون وأعوانه وعلى سائر العالمين في وقت واحد .. وحكي أن يحيى بن معاذ لمّا قرأ هذه الآية : فقولا له قولا ليّنا ، بكى وقال : هذا رفقك بمن يقول أنا الله ، فكيف رفقك بمن يقول : لا إله إلّا الله؟ وهذا رفقك بمن يعاديك فكيف رفقك بمن يناديك؟ هذا رفقك بمن اقترف ، فكيف رفقك بمن اعترف؟ وهذا رفقك بمن استكبر ، فكيف رفقك بمن استغفر؟ ..
وفي كتاب التيسير أن موسى لمّا توجه من مدين تلقاء مصر مع زوجته صفوراء ابنة شعيب النبي عليهالسلام ، وعرض لامرأته الطّلق ووجعه في أثناء الطريق ، وذهب ليقتبس نارا ، بقيت زوجته تنتظر عودته حتى الصباح فما رجع ، فبقيت تترقّب عودته منذ أصبحت حتى أمست فما عاد ، فبقيت متحيّرة ضالة عن الطريق خائفة على نفسها وعلى ولدها وبعلها وهي في حال النفاس ، فصادف أن مرّت بها قافلة جاءت متّجهة نحو مدين فرأوها وعرفوها فحملوها معهم وردّوها إلى أبيها شعيب عليهالسلام ، في حين أن موسى أمر من طوى ـ الجبل المقدّس الذي كلّمه الله تعالى عنده ـ أن يتّجه إلى مصر لدعوة فرعون إلى الإسلام والإيمان بالله تعالى ، فمضى بطريقه إلى أن وصل إلى قربها فوجد أن أخاه هارون يستقبله ، فشرح له موسى ما وقع من أموره إلى آخرها ، فقال له هارون : إن فرعون قد عظمت سطوته وقوي سلطانه وطغى وبغى وتزايد فساده فكيف نجرؤ على مكالمته في هذا الأمر؟ وبمقتضى الطبيعة البشرية أثّر هذا الكلام في نفس أخيه موسى فرأى أنهما في موقع الخطر وغلب عليهما الخوف من المبادرة :
٤٥ ـ (قالا رَبَّنا إِنَّنا نَخافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنا) ... أي نخشى أن يعجل علينا فيأخذنا ويعاقبنا فلا نقدر على إتمام الدعوة وإظهار المعجزة ، ونخاف (أَنْ يَطْغى) يتكبّر ويتجبّر فيظلمنا ولا يعتني بقولنا ولا يستمعه بل قد لا يقابلنا ولا يتحاور معنا في مجلس التخاطب لأنه لا يزداد إلّا كفرا وطغيانا وقد يتجاسر عليك ويصدر منه ما لا ينبغي لحضرتك ونحن لا حول لنا ولا طول مع هذا الطاغية الجبّار! ... فقال تعالى تقوية لهما وتهدئة لنفسيهما :