فرعون ومن القبطيين ، فالأمر في الآية السابقة كان مبهما لم تعيّن به الجهة ، والأمر الثاني أوضحها وبيّن المقصود ، والتعيين بعد الإبهام يهوّن الأمور العظام كما هو المتعارف كالذي يحدث حال الوفيات وغيرها من الأمور الهامة والحوادث الجليلة التي إبهامها يكون أعظم من تعيينها والتصريح بها.
والحاصل أنه تعالى قال لهما : اذهبا إلى فرعون (فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً) أي قولا لا يحبّه ولا يكرهه ، بحيث يظنّ أنه يؤثّر فيه ، فلا ينبغي أن يقال له ما يتنفّر منه. فقد قيل إن موسى عليهالسلام أتاه فقال له : تسلم وتؤمن بربّ العالمين على أن لك شبابك فلا تهرم ، وتكون ملكا فلا ينزع الملك منك حتى تموت ، ولا تمنع لذّة الطعام والشراب ولا تنزع لذّة الجماع منك ما زلت حيّا ، فإذا متّ أدخلت الجنّة ، فأعجبه ذلك ولكنه كان لا يقطع أمرا دون وزيره هامان الذي كان غائبا. فلما قدم هامان أخبره فرعون بالذي دعاه إليه موسى وأشار إلى أنه يريد أن يقبل منه ذلك ، فقال هامان : قد كنت أرى لك عقلا ورأيا ، فبينا أنت ربّ ، تريد أن تكون مربوبا ، وبينا أنت معبود تريد أن تصير عبدا عابدا لغيرك؟ فقلبه عن رأيه. وتتمة الآية (لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى) كانت مبعث رجاء عند موسى فإن الذي يعلم غيب السماوات والأرض لم يترك رسوله بين اليأس والرجاء بل زرع في نفسه الأمل فمضى لمقصده طامعا بإيمان فرعون ، جريئا على دعوته ومفاتحته بالأمر في الوقت الذي يعلم الله سبحانه أن فرعون لا يتذكّر : لا يتفكّر ولا يرعوي ، ولا يخشى : أي لا يخاف ولا يرهب قدرة الله. ومجيء هذه الآية الشريفة بهذا البيان وهذا التعليل يؤيّد ما ذكرناه في الجواب عن التكرار بالحمل على التأكيد لأن المقام يقتضيه ، كما أن النكتة في إرسال موسى إلى فرعون مع المبالغة في طلب تبليغه ، في حال علمه سبحانه بأنه لا يؤمن ولا يخشى ولا يتذكّر ، هي إلزام للحجة وقطع للمعذرة ، وحمل لموسى وأخيه على الدخول إلى البيوت من أبوابها مسلّحين بالآيات وبالقول اللينّ الذي ينبغي أن يقال مع ذلك الجبّار في الأرض ، وذلك أفضل بكثير في أن يبدأ الدعوة مع عامة الناس فيقع اللّوم عليهما ولا تقتضي دعوتهما حينئذ جمع