هي أيضا متأثرة والمؤثر غيرها وهو الله الواحد القهار (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ) عبّر تعالى ها هنا بالإذكار وهو بمعنى الذّكر ، والذكر عبارة عن التوجّه إلى الشيء وإدراكه. ولما كان إثبات الصانع الحكيم في المقام لا يحتاج إلى مزيد عناية وتكلّف ، بل الأمر أسهل من دلالة الآيات السابقة على المدّعي ، فلعل لهذه الجهة عبّر بالاذكار وهو سبحانه أعلم بما قال. ثم عدّد نوعا آخر من النعم فقال سبحانه تعالى :
* * *
(وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْماً طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَها وَتَرَى الْفُلْكَ مَواخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (١٤) وَأَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهاراً وَسُبُلاً لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (١٥) وَعَلاماتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ (١٦) أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ (١٧))
١٤ ـ (وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ) ... أي أنّ الله تعالى بقدرته الكاملة ذلّل البحر وهيّأه لانتفاعكم به بالركوب فيه على البواخر والسفن البخارية والاصطياد والغوص (لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْماً طَرِيًّا) أي جديدا ذا طراوة. واتّصافه بالطراوة لأنه أرطب من كلّ لحم وأسرع إلى الفساد من كل لحم ، وفيه إشارة إلى المسارعة لأكله وإظهار قدرته وحكمته حيث أوجد اللحم الحلو الطعم من المياه المالحة وجعله فيها حتى لا يتطرّق إليه الفساد (وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَها) أي لتغوصوا فيه وتخرجوا منه ما تتزيّن