(كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ) وحيا من عندنا (لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ) بدعوتهم إلى ما في كتابنا من الحق ، لنخرجهم من ظلمات الكفر والضلال الذي هم فيه إلى نور الإيمان (بِإِذْنِ رَبِّهِمْ) أي بتوفيقه وتسهيله ومشيئته ، فتهديهم (إِلى صِراطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ) أي طريق الله المنيع الجانب اللائق بالحمد الذي يجازي على الحمد. وهذا بدل من قوله تعالى : إلى النور. والآية تشير إلى أن طرق الكفر والضلال متعددة ، وأن طريق الإيمان واحدة ، وذلك بسبب الجمع في (الظُّلُماتِ) والإفراد في (النُّورِ) واللام للغرض ـ كما لا يخفى ـ.
٢ ـ (اللهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) ... لفظة الجلالة (اللهِ) بدل من لفظة (رَبِّهِمْ) في الآية السابقة. وهو الذي يملك ما في السماوات وما في الأرض ويتصرّف به كيف يشاء (وَوَيْلٌ لِلْكافِرِينَ مِنْ عَذابٍ شَدِيدٍ) تهديد لهم بالعذاب العظيم القويّ في يوم القيامة ، ويعدهم بالويل الذي يقال إنه واد في قعر جهنم.
٣ ـ (الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَياةَ الدُّنْيا عَلَى الْآخِرَةِ) ... هذه بيان لسابقتها ، فالكافرون الّذين هدّدهم بالعذاب الشديد ، هم الذين يختارون المقام في هذه الدّنيا والانغماس في ملذّاتها ومغرياتها ، ويفضّلون ذلك على العمل للآخرة ، ثم (يَصُدُّونَ) يمنعون غيرهم (عَنْ سَبِيلِ اللهِ) عن الطريق الموصلة إلى مرضاة الله عزوجل (وَيَبْغُونَها عِوَجاً) أي ويريدون طريق الحق معوجّة ذات لفّ ودوران وزيغ ، فيمنعون الناس عنها وينحرفون بهم إلى غيرها ، و (أُولئِكَ) المنحرفون الذين يريدون اتّباع أهوائهم (فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ) عن الحق ، وضياع عظيم عن معرفته. وقد وصف الضلال بالبعد من باب المجاز في الإسناد.
٤ ـ (وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ) ... في زاد المسير نقل أن قريشا قالوا : إن كلّ نبيّ نزل عليه الكتاب ، كان كتابه بلغة أعجمية ـ غير عربية ـ فلما ذا كان كتاب محمد عربيّا؟. فنزلت هذه الآية الكريمة تشير إلى