أن كل رسول نزل بكتاب بلغة قومه الذين تولّد منهم ونشأ بينهم وربي فيهم وبعث إليهم (لِيُبَيِّنَ لَهُمْ) أي يظهر ويفسّر ويفصّل ما أتي به فيفهموا قوله بلغتهم الدارجة بينهم لتتمّ الحجة عليهم. وفي الخصال عن النبيّ صلىاللهعليهوآله في حديث : منّ عليّ ربّي وقال : يا محمد ، قد أرسلت كلّ رسول إلى أمة بلسانها ، وأرسلتك إلى كلّ أحمر وأسود من خلقي. وهذا جواب يسفّه قول المعترضين من قريش ، فقد نزل القرآن بالعربية رغم أنه لسائر العالمين ، وحال كونه نزل بلغة قوم الرسول كبقية الكتب التي أنزلت بلسان أهلها ، فلا تبتئس يا محمد فإن الله (فَيُضِلُ) من يشاء (وَيَهْدِي) من يريد بتيسير الهداية لمن أرادها ، وبعدم الرّدع عن الضلال لمن أراده وأوغل فيه كيلا يكون الإيمان قسرا (وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) أي القوي الذي لا ينال ، ويفعل ما يفعله بمقتضى الحكمة.
وفي هذه السورة الشريفة شرع سبحانه في بيان نعمه على العباد من أوّلها ، فبيّن أنه أرسل الرّسل وأنزل الكتب لإخراج الناس من ظلمات الجهل إلى نور الهداية وليس من نعمة أعظم من هذه النعمة. ثم أوضح أنه أرسل كلّ رسول بلسان قومه ليسهل عليه إفهامهم ، وليكونوا من بعده تراجمة قوله للآخرين كما هو شأن نبيّنا صلىاللهعليهوآله الذي أرسل إلى كافّة الناس وسائر أهل اللغات وذلك قوله عزوجل : (وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً) ثم فصّل بقية نعمه على عباده وبدأ بقصة موسى عليهالسلام ، وعقّب بقصص كثير من أنبيائه ورسله الكرام ، فالحمد لله على منّه وكرمه.
* * *
(وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (٥)