جعلك حسيب نفسك وما جعل غيرك حسيبا عليك. وفي ذلك اليوم يقرأ من لم يكن قارئا ويحسب من لم يكن حاسبا ، وبعد فراغه من الحساب يقول : يا ويلتا ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلّا أحصاها ، لأنه يرى فيه كلّ ما عمله من صغائر ذنوبه وكبائرها. ونقل أنه في يوم من الأيام قال والد لولده : يا بنيّ عليك أن تأتي في المساء وتذكر لي كلّ ما عملته ورأيته وسمعته ، فامتثل الولد وجاء مساء فسرد على مسمع والده كلّ ذلك بتمامه ولم ينقص منه شيئا. وفي مساء اليوم الثاني طلب الوالد من ولده سرد ما فعله وما قاله وما رآه وسمعه في يومه ، فامتنع الولد واعتذر بأن هذا الأمر شاقّ عليه ، ومن الصعب أن يروي كل شيء لوالده في كلّ يوم. فقال له أبوه : إنما هذا نصح منّي لك ، فإنك إن لم تستطع أن تقصّ عليّ ذلك في كلّ يوم ، فكيف يكون موقفك من ربّك يوم القيامة إذا ناقشك في كلّ ما عملت وسمعت ورأيت طيلة أيام حياتك قولا قولا وعملا عملا؟
١٥ ـ (مَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ) ... فإنه ينفعها بذلك دون غيرها من النفوس (وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها) إذ يكون سوء ضلاله خاصا بنفسه أيضا دون غيرها (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) فكلّ نفس تحمل وزر أخطائها وذنوبها ولا يحمل عنها أحد شيئا ولا يعاقب أحد بذنوب غيره. وفي هذه الآية بطلان لقول من قال : إن أطفال الكافرين يعذّبون مع آبائهم وبأوزار آبائهم (وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) يبيّن الحجج ويمهّد الشرائع ويهدي الناس فتلزمهم الحجة.
* * *
(وَإِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنا مُتْرَفِيها فَفَسَقُوا فِيها فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْناها تَدْمِيراً (١٦) وَكَمْ أَهْلَكْنا مِنَ الْقُرُونِ مِنْ