وقيل إنّ المراد بهمّه (ع) بها ، هو ميل الطبع ومنازعة الشهوة ، لا القصد الاختياريّ. وهذا الهمّ ممّا يصحّ أن يكتب له عليه حسنة لا أن يحسب له سيّئة ، فقد قال صلىاللهعليهوآله حكاية عن ربّه : إذا همّ عبدي بسيّئة فلم يعملها كتبت له حسنة. وهذه الرواية وإن كان إطلاقها ، على فرض الصّحة ، يشمل ما إذا كان القصد اختياريّا ، إلّا أن الأنبياء وأهل العصمة خارجون عن موضوع قصد الاختيار لأن العصمة مانعة عن ذلك بلا إشكال. وقد خبط كثير من المفسّرين في تأويل هذه المسألة وذكروا ما يتنافى مع عصمة الأنبياء عليهمالسلام. ففي رواية الإمام السجّاد عليهالسلام التي أشرنا إليها بالنسبة للبرهان ، قال : قامت امرأة العزيز إلى الصّنم فألقت عليه ثوبا ، فقال لها يوسف : ما هذا؟ فقالت : أستحي من الصّنم أن يرانا. فقال لها يوسف : أتستحين ممّن لا يبصر ولا يفقه ولا أستحي ممّن خلق الإنسان ، وعلّمه البيان ، ويبصر الغيب والعيان؟ وعن الإمام الصادق عليهالسلام : البرهان النبوّة المانعة من ارتكاب الفواحش ، والحكمة الصارفة عن القبائح .. وتابع سبحانه السّرد : (كَذلِكَ) أي مثل هذا كان الحال وكانت النتيجة (لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ) أي من أجل أن نذهب عنه (وَ) نجنّبه (الْفَحْشاءَ) والفسوق والزّنى. ففي رواية أن زليخا همّت بالمعصية ، ويوسف همّ بقتلها إن أجبرته لعظم ما تداخله ، فصرف الله تعالى عنه قتلها والفاحشة. وقيل إن الفرق بين السوء والفحشاء ، هو أن السوء خيانة اليد ، والفحشاء هي الزّنى ، والسوء من مقدّمات الفاحشة كالنظر واللمس والقبلة وغير ذلك. فقد قال سبحانه : صرفنا عنه ذلك (إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُخْلَصِينَ) أي الّذين أخلصهم الله لطاعته واختارهم وطهّرهم من الدنس.
٢٥ ـ (وَاسْتَبَقَا الْبابَ ، وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ) ... أي تسابقا نحو الباب الذي يفضي إلى الخارج وتبادرا إليه لأن يوسف (ع) كان يراها مصرّة على رغبتها فيه فأراد الفرار والنجاة فركض نحو الباب للخروج ، وزليخا أسرعت وراءه لتمنعه من الفرار فكان أسرع منها فتناولت ثوبه لتمسكه به