وهو لا يزال في مهد الطفولة وقماط الولادة؟ وحين ألزمتهم بذلك استشهدوه على براءة ساحتها واستنطقوه ، وعندئذ :
٣٠ ـ (قالَ إِنِّي عَبْدُ اللهِ آتانِيَ الْكِتابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا) : قدّم إقراره بالعبودية أولا ليبطل قول من يدّعي له الرّبوبية. وكان الله تعالى قد أنطقه وألهمه ذلك لعلمه سبحانه بما يقوله به الغالون الذين ألّهوه. ثم تحدّى القوم بالنبوّة وبأن الله أنزل عليه الإنجيل. والتعبير هنا جاء بالماضي لأنه محقّق الوقوع ، وهو يعني أنه سينزله عليه قطعا. وقيل إنه عنى التوراة ، وأنه عرّفه سبحانه إيّاها.
٣١ ـ (وَجَعَلَنِي مُبارَكاً أَيْنَ ما كُنْتُ) ... أي خلقني الله تعالى نفّاعا للناس معلّما للخير في أيّ مكان أكون (وَأَوْصانِي بِالصَّلاةِ) أمرني بها (وَالزَّكاةِ) أؤدّيها. فعن الصادق عليهالسلام أنه قال : زكاة الرؤوس ، لأن كل الناس ليس لهم أموال ، وإنما الفطرة على الفقير والغني والصغير والكبير. فقد أمرني الله تعالى بالزكاة (ما دُمْتُ حَيًّا) أي ما بقيت على وجه الأرض.
٣٢ ـ (وَبَرًّا بِوالِدَتِي ، وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيًّا) : أي جعلني بارّا بها حسن المعاملة لها واللطف. وهي عطف على (مُبارَكاً) والجبّار : هو المستكبر ، والشقيّ : العاصي لله. ويستفاد من هذه الكريمة أن من لم يكن بارّا بوالديه يحسب في الجبابرة ، ويعد من الأشقياء. كما أنه يستفاد أن عقوق الوالدين من الكبائر العظام. ثم لّما بلغ كلامه إلى هذا الحد اختتمه على طريقة ما اختتم يحيى عليهالسلام كلامه فقال :
٣٣ ـ (وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ) ... وقد مرّ تفسيرها. والسلام يكون من الله سبحانه وتعالى ، وقد ذكر مواطن : الولادة ، والموت ، والبعث ، لأنها من أعظم المواطن التي يمرّ بها الإنسان من حيث الوحشة. فهو حين يتولّد ويخرج إلى الحياة بعد أن كان مستريحا في بطن أمّه ، يرى ما لم تر عينه ويسمع ما لم تسمع أذنه من الهياكل والأصوات فتأخذه الرّعدة والخوف كما نشاهد بأنفسنا وكما يصيبنا حين نرى ونسمع شيئا فوق العادة. وقد يقال إن