٥٩ و ٦٠ ـ (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضاعُوا الصَّلاةَ) ... الخلف بالسكون العقب الطالح ، وبالفتح العقب الصالح أي فعقبهم من بعدهم عقب سوء ، وهم الذين من فرط جهالتهم (أَضاعُوا الصَّلاةَ) بتركها أو تأخيرها عن وقتها حيث يضيع جزء كبير من أجرها وثوابها (وَاتَّبَعُوا الشَّهَواتِ) فعلوا ما حرّم عليهم ممّا تشتهيه أنفسهم الأمّارة بالسوء (فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا) سينالون جزاء الغيّ ، أي الضلال ، يوم القيامة ، وذلك كقوله عزوجل : (مَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً) : أي جزاء الإثم. وقيل إن الغيّ واد في جهنّم يكون أحرّ نارا وأشدّ عذابا. وعن ابن عباس : إن هؤلاء هم اليهود الذين كانوا من أولاد الأنبياء فتركوا صلواتهم المفروضة عليهم وشربوا الخمور وأحلّوا نكاح أخواتهم اللواتي من آبائهم فقط ، وحرّموا بعض ما أحلّه الله لهم وحلّلوا بعض ما حرّم عليهم. وقيل إن المراد هو فسقة هذه الأمة إلى يوم القيامة ، ولا يبعد أن يكون الأعمّ مرادا منها. كما قيل إن الغيّ هو الشر الذي يلقاه هؤلاء يوم الحساب (إِلَّا مَنْ تابَ) ندم على ما سلف (وَآمَنَ) في مستقبل عمره (وَعَمِلَ صالِحاً) فقام بالواجبات والمندوبات (فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ) بعد التوبة والإيمان والعمل الصالح (وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئاً) لا ينقصون من حقّهم شيئا. وفي هذه الشريفة دلالة على أن الله لا يمنع ثواب عمل أحد ولا يبطله ، وقد سمّى ذلك ظلما حتى لو كان الانتقاص من الثواب شيئا قليلا في غاية القلّة.
٦١ و ٦٢ ـ (جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمنُ عِبادَهُ بِالْغَيْبِ) ... جنات : بدل من الجنّة في الآية الكريمة السابقة ، أو هي مفعول لفعل محذوف ، وقد حرّك بالكسر لكونه جمع مؤنث سالما. فالتائبون يدخلون جنات عدن التي وعد الله تعالى بها عباده (بِالْغَيْبِ) أي بوعد وأمر هو غائب عنهم غير مشاهد من قبلهم ، ثوابا لتصديقهم به وبأوامر ربّهم ونواهيه (إِنَّهُ كانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا) أي أمرا واقعا حاصلا هم واصلون إليه حيث (لا يَسْمَعُونَ فِيها) في الجنان (لَغْواً) فضول كلام ، وكلاما لا طائل تحته ، فلا يسمعون (إِلَّا