٢ ـ (رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ) : يعني أن الكفرة إذا عاينوا حال المسلمين من النّصر والظفر في الدنيا ، أو الفوز بالجنّة ومرضاة الله في الآخرة ، يحتمل أن يتمنّوا أنهم مثلهم فيقولوا : يل ليتنا كنّا مسلمين. ولفظة (لَوْ) هاهنا حرف مصدريّ بمنزلة (أن) إلّا أنها لا تنصب ، وأكثر وقوعها يكون قبل : ودّ ، ويودّ. وقد روي عن الباقر عليهالسلام أنه قال : إذا كان يوم القيامة نادى مناد من عند الله : لا يدخل الجنّة إلّا مسلم ، فيومئذ يودّ الذين كفروا لو كانوا مسلمين.
٣ ـ (ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ) ... أي : دعهم ـ يا محمد ـ يأكلوا كما تأكل الأنعام في الدّنيا ، مكتفين بلذة الأكل وطيبه وملء بطونهم ، مسرورين بهذه الحال يوما بعد يوم ، لاهين عابثين يسيرون مع الأمل الخادع ، منصرفين عن الدّين وإطاعة ربّ العالمين (فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ) خسران طريقتهم حين يحلّ بواديهم البوار ويحيط بهم العذاب. وفي هذه الآية الكريمة حثّ للإنسان على التنبّه ليكون مستعدا للموت مبادرا للتوبة لا يؤخرها بالتسويف وطول الأمل الذي يصدّه عنها. وقد قال مولانا أمير المؤمنين سلام الله عليه : إن أخوف ما أخاف عليكم اثنان : اتّباع الهوى ، وطول الأمل. فان اتّباع الهوى يصدّ عن الحق ، وطول الأمل ينسي الآخرة. وعنه عليهالسلام : ما أطال عبد الأمل إلّا أساء العمل. وقد قال الباقر عليهالسلام : قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : إذا استحقّت ولاية الله والسعادة جاء الأجل بين العينين ، وذهب الأمل وراء الظّهر. وإذا استحقّت ولاية الشيطان والشقاوة جاء الأمل بين العينين ، وذهب الأجل وراء الظّهر.
٤ ـ (وَما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ) ... يعني أننا لم نهلك قرية وننزل عذابنا فيها (إِلَّا وَلَها كِتابٌ مَعْلُومٌ) أي أجل مقدّر مكتوب لا بدّ أن تبلغه. وهو سبحانه يريد أن لا يغترّ الكفّار بطول بقائهم لأن لهم يوما مؤجلا موقّتا لا يتقدم ولا يتأخّر.