عَلى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً (٢١) لا تَجْعَلْ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُوماً مَخْذُولاً (٢٢))
١٨ ـ (مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعاجِلَةَ عَجَّلْنا لَهُ فِيها ما نَشاءُ) ... أي من أراد الدنيا أعطيناه جزاء عمله في الدنيا التي كان همّه مقصورا عليها. وقد علّق سبحانه ذلك بمشيئته لأنه لا يجد كلّ متمنّ ما تمنّاه ، ولا كلّ أحد جميع ما يهواه ، والأمور كلّها مرهونة بالمشيئة. والحاصل أن مريد العاجلة ليس له في الآجلة ـ الآخرة ـ من نصيب إلّا (جَهَنَّمَ) والعياذ بالله منها (يَصْلاها) يدخلها ويكابد حرّها وصلاء لهبها (مَذْمُوماً) ملوما موّبخا (مَدْحُوراً) مطرودا من رحمة الله مهزوما أمام غضبه وسخطه.
١٩ ـ (وَمَنْ أَرادَ الْآخِرَةَ وَسَعى لَها سَعْيَها) ... هذه الكريمة معطوفة على سابقتها ولكنها بعكس معناها ، فإن من رغب في الدار الآخرة وعمل لها عملها الصالح بشرط أن يكون مؤمنا مصدّقا (فَأُولئِكَ) العاملون المؤمنون (كانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً) محمودا مثابا من الله عزّ وعلا بالجنّة وحسن المآب.
٢٠ ـ (كُلًّا نُمِدُّ هؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ) ... أي أنّ كل واحد من الطائفتين : طالب الدنيا وطالب الآخرة ، نعطيه ونعينه على مقتضى المصلحة وطبق الحكمة بالنّعم الظاهرة والباطنة (مِنْ عَطاءِ رَبِّكَ) رزقه وفضله (وَما كانَ عَطاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً) ممنوعا ومحبوسا عن الكافر لكفره ، ولا عن الفاسق لفسقه ، فكيف بالمؤمنين؟
٢١ ـ (انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ) ... أي تأمّل كيف تفاوتت درجاتهم في دار الدنيا ، فأعطينا من الرزق والجاه والصحة حسب ما علمنا من الحكمة (وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجاتٍ) أعظم تفاوتا في المراتب فإن المسافة ما بين درجة ودرجة في الجنّة تبلغ بعد ما بين السماء والأرض ، وكذا يكون تفاوت دركات جهنّم والعياذ بالله منها (وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً) من درجات الدنيا