وإما أن تكون (ما) أيضا شرطية زيدت تأكيدا للاشتراط كما جاءت شرطيّة في قوله سبحانه : (ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ) إلخ ... (عِنْدَكَ الْكِبَرَ) أي في كنفك مبلغا من العمر بحيث يحتاج إليك (أَحَدُهُما أَوْ كِلاهُما) إذا صارا بمنزلة الطّفل الذي يحتاج الى متعهّد. وخصّ بحال الكبر وإن كانت إطاعة الوالدين والإحسان إليهما واجبين على كلّ حال ، لأن الحاجة في تلك الحالة أكثر إلى الخدمة والتعهّد (فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍ) قال الصّادق عليهالسلام : لو علم الله لفظة أوجز في عقوق الوالدين من أف لأتى بها. وفي خبر آخر : أدنى العقوق ، ولو علم الله شيئا أيسر منه وأهون منه لنهى عنه. فليعمل العاقّ ما يشاء أن يعمل فلن يدخل الجنّة. وقيل : معنى قوله بلغا من الكبر حيث صارا يبولان في فراشهما ولباسهما ويحدثان فلا تتقدّم منهما وأمط عنهما كما كانا يميطان عنك في صغرك فلا تنسى نصيبك منهما وحظوظك من أول ولادتك الى شبابك ولا تنكر ما استفدته منهما واعمل لهما كما عملا لك (وَلا تَنْهَرْهُما) أي لا تزجرهما ولا تخاصمهما في شيء. وقيل لا تمنع من شيء أراداه منك (وَقُلْ لَهُما قَوْلاً كَرِيماً) خاطبهما بقول جميل لطيف بعيد عن اللغو والقبح والغلظة والخشونة (وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ).
٢٤ ـ (وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِ) ... الإضافة بيانيّة ، أي تذلّل لهما وتواضع من فرط رحمتك بهما. والخفض هو ضدّ الرفع وهو الوضع. ثم إنه بعد ما أوصى فيهما بما ذكر أمر تعالى بالدّعاء لهما وهذا يدل على غاية لطفه وتمام عنايته بهما ، لأنهما شريكان له تعالى في تربية الأولاد والمحافظة عليهم حتى يبلغوا رشدهم ويستغنوا عن المربّي والحافظ.
٢٥ ـ (رَبُّكُمْ أَعْلَمُ ... فَإِنَّهُ كانَ لِلْأَوَّابِينَ) : أي التوّابين المتعبّدين الراجعين عن ذنوبهم على ما روي عنهم عليهمالسلام. فإنه رحيم بهؤلاء غفور لذنوبهم ومتجاوز عنهم بفضله وكرمه.
* * *