تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ) عدم عبادة غيره وعدم الشّرك في ألوهيّته (وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً) أردف تعالى عبادته بالإحسان إلى الوالدين لأنه سبحانه هو الموجد لوجود الإنسان على الحقيقة ، ولكنّ الوالدين أيضا مؤثّران بحسب العرف الظاهر ومن جهة اخرى أيضا يشبهانه تعالى بأنه رحيم بعباده رؤف بهم ينعم على عبده ولو أتى بأعظم الجرائم وأكبر الآثام ، وكذلك الوالدان لا يملآن الإنعام على الولد ويكرمانه ولو كان مسيئا لهما غاية الإساءة ، فكم من جاهل ينطق طبق جهله فيقول : الوالدان إنما طلبا تحصيل اللذة لنفسهما فلزم منه دخول الولد في الوجود وحصوله في عالم الآفات والفساد ، فأيّ إنعام للوالدين على الولد؟ والبعض يفعل فعل بعض الجهلة من ضرب والده معلّلا ذلك بأنه هو الذي ادخله في عالم الكون والفساد وعرّضه للفقر والموت. وليت شعري كيف يتشدّق هؤلاء الجهلة بالدّين حيث اعتقدوا هذا الاعتقاد السخيف ، فأولا هذه اللّذة نعمة من الله سبحانه للزّوجين قد أشربهما إيّاها ، وهي نعمة أخرى من حيث إنهما ينسيان بها هموم الحياة وما يواجههما من المشاقّ والغصص والآلام الروحية والجسمية الصّعبة مضافا إلى أنها كانت الواسطة لحفظ نظام العالم وكيان البشر وحفظ النسل وإبقاء الدّين والدنيا بحذافيرهما ، فلو لم يكن عمل الزوجين لانتفى الزّوجان وترتّب على انتفائهما انتفاء البشرية وهو خلاف إرادة الله تعالى على خلقه لما رأى من المصالح الكثيرة والحكم والأسرار الغريبة العجيبة في خلق الخليقة بقدرته الكاملة السّامية على سنّة الطبيعة العاديّة والكيفية المتعارفة المستمرّة مع قطع النظر عن أنه تعالى قادر على خلق البشر بلا أب ولا أمّ فإن المصلحة كانت في هذه الكيفية المذكورة من أولها إلى آخرها ليكون هذا التعاطف وذلك التراحم بين الزوجين من جهة وبينهما وبين أولادهما من جهة ثانية ، وبين الأخوة والأرحام والأقرباء من جهة ثالثة ، فقول هؤلاء ـ إجمالا ـ من الجهلة وكلّ منهم معارض لله تعالى في أمره وتقديره ، ومنازع له في ملكه وحكمته. ولكنّ الذي يسهّل الخطب أن أقوالهم لا وزن لها في عالم الاعتبار (إِمَّا يَبْلُغَنَ) هذه اللفظة إمّا (إن) الشرطيّة التي زيدت عليها (ما) للتأكيد ،