٨٤ ـ (قالَ هُمْ أُولاءِ عَلى أَثَرِي) ... أي هؤلاء قومي آتون من ورائي ولم أسبقهم إلّا قليلا ، ثم اعتذر ثانية فقال : (وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضى) أي أن مسارعتي كانت مبادرة لامتثال أمرك ونيل رضاك ، وأنا إنما امتثلت أمر مولاي بسرعة لأكون أول من يشمله رضاه. وقد فسّر النبيّ صلىاللهعليهوآله فعل موسى واستعجاله بقوله : إنه ما أكل ولا شرب ولا نام ولا اشتهى شيئا من ذلك في ذهابه ومجيئه أربعين يوما شوقا إلى ربّه.
٨٥ ـ (قالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ) ... هذه الكريمة متفرعة على ما قبلها في قولك سبحانه : (وَما أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ) ، فإنه تعالى يريد أن ينبّه نبيّه عليهالسلام إلى أن الفتنة قد حصلت بنتيجة استعجالك وكانت وليدة خروجك من بينهم وتخليتك إياهم مع أنفسهم ، فسوّلت لهم أنفسهم أمرا (وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُ) فأغواهم هذا الشيطان المشعوذ ، ولو كنت معهم لما حدثت لهم تلك البلوى ...
وحاصل معنى الكريمة أننا قد ألقينا قومك في الاختبار والامتحان بعدك ، فابتلوا بعبادة العجل حتى نميّز المؤمن المخلص من المنافق المرائي ، وليظهر الصالح من الطالح ، وليظهر أمرهم لغيرهم من سائر الخلق فإنهم أهل عناد وتردّد. وقيل إن السامريّ الذي دعاهم إلى عبادة العجل اسمه موسى بن ظفر ، وكان منافقا. وقال ابن عباس : إن السامري من أهل كرمان ، وقع إلى مصر وكان من قوم يعبدون البقر. ولكن الأكثرين يبنون على أنه من عظماء بني إسرائيل من قبيلة يقال لها : السامرة. وقيل هو من القبط وقد كان جارا لموسى وآمن به وكان من الذين خلّفهم موسى مع هارون على ساحل البحر. والذين أضلّهم هذا السامري كانوا ستمائة ألف افتتنوا بالعجل بعد مفارقتهم لموسى ، لأن هذا الشيطان ابتدأ بتدبير الفتنة بمجرد ترك موسى لهم ، وعزم على إضلالهم .. ولما استشعر موسى بفتنة قومه رجع إليهم بعد أخذ التوراة.
٨٦ ـ (فَرَجَعَ مُوسى إِلى قَوْمِهِ غَضْبانَ أَسِفاً) ... قد رجع إليهم بعد ما