وتحلّلها إلى فحوم ورماد بحيث تفقد حديديّتها وصلابتها! .. أجل ، إن أمر الصاعقة التي هي نار حادّة فوق حدة النار التي نعرفها ، يدهش العقل ويحيّر الألباب لهذا الضد يخرج من ضدّه ، ويبرهن على قدرة ربّ عظيم قادر حكيم. وعلى هذا فإن قول القائلين بأن السحاب منشئ الرعد ومنشئ الصاعقة لأنهما يحدثان من اصطكاكه ببعضه ، وأنهما أمران طبيعيان وليسا من خوارق العادات ولا ممّا يخرج عن عالم الطّبع والطبيعة ، إن قول هؤلاء القائلين لا ينفي العجب من خروج تلك النار العظيمة من احتكاك ذرّات الماء الرّطبة ، ولا يضعف أهمية هذه الظاهرة المدهشة التي هي كتبريد نار إبراهيم عليهالسلام وجعلها سلاما عليه بعد أن أعدّت لحرقه. فالصاعقة يمكن أن تتكوّن من أسباب طبيعية ، والله تعالى هو موجدها وموجد أسبابها ، ومعطيها هذه القدرة الغريبة الحارقة الماحقة التي تشق بها الأرض وتسلك بها فجاج البحر ، وهذا كلّه دليل على كمال قدرته تبارك وتعالى وتمام عظمته فيما خلق وأبدع (وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحالِ) قويّ الكيد ، شديد العذاب للمجادلين بالباطل ، تامّ القوة والقدرة عند غضبه وسخطه عليهم.
١٤ ـ (لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِ) ... : اختلفوا في معنى دعوة الحق ، وذكروا لها معاني كثيرة ، وأنسب ما يقال في المقام أن المراد بالحق كلمة الإخلاص التي هي قول : لا إله إلّا الله ، أو أن يقال : الحقّ هنا نقيض الباطل ، وهو أحسن ما قيل في تفسيره بقرينة الحصر. وقيل إن الحق هو من أسمائه ، أي أنه الموجود المحقّق الثابت وجوده ، أوله الدعوة المجابة بقرينة قوله بعد ذلك : (وَالَّذِينَ يَدْعُونَ) أي المشركون معه غيره ، الداعون (مِنْ دُونِهِ) سواه (لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ) لا تستجيب أصنامهم لهم أدعيتهم ولا توصل إليهم شيئا يطلبونه. والآيات يفسّر بعضها بعضا فلعلّ هذه الكريمة مفسرة لما قبلها من قوله تعالى : (لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِ) : أي الدعوة المجابة فإنه سبحانه يستجيب لمن دعاه إذا كان في المطلوب صلاحا للداعي ، أما