سحابة ألقت على رأسه صاعقة ذهبت بقحف رأسه. ويستفاد من قوله : رعدت سحابة ، أن الرعد هو صوت السحابة ، تماما كما يقول العلم الحديث الذي تكلم عن احتكاك ذرأت الغيوم وتولّد البرق والرعد. فتسبيح كل شيء بحسبه ، وهو في المقام من باب نسبة الفعل إلى من هو له ، فإن القاعدة الأوليّة تقتضي أن ينسب التسبيح إلى السحاب لا إلى صوته الذي هو نفس التسبيح ، إلّا أن هذا من حسن الكلام وبلاغته. هذا ، وقد رأينا أن الجبال قد سبّحت في عهد داود عليهالسلام ، والشجرة قد قدّست. في زمن موسى عليهالسلام وخرج الصوت منها : إنّي أنا الله ـ وذكر الجلالة أكبر ذكر ـ كما أن الحصى سبّح بيد نبيّنا محمد صلىاللهعليهوآله ، مضافا إلى قوله سبحانه : (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ) ـ من الحيوان ، والنبات ، والجماد ـ (وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ) تسبيحهم ، بل يعرفه المبدع الحكيم القدير الصانع المتقن لما صنعه ، مهما فسّرتم ذلك وكيفما حلّلتموه بحسب عقولكم وعلمكم ، واقتنعتم به أم لم تقتنعوا ، فهو عزوجل وحده يعرف تسبيحها الذي كلّفها به وأنطقها به (و) هو الذي (يُرْسِلُ الصَّواعِقَ فَيُصِيبُ بِها مَنْ يَشاءُ) والصواعق : جمع صاعقة ، وهي النّار التي تسقط من السماء أثناء الرعد الشديد والبرق الخاطف ، وكلّ عذاب مهلك يقال له الصاعقة ، وهي ما يتكوّن في الجو وينزل لعذاب البشر العصاة وإهلاكهم مع حيواناتهم وشجرهم ونباتهم ومزروعاتهم ، كالشّهب التي تتكوّن في السماء لطرد الشياطين والجنّ عن أبواب السماء ولإهلاكهم (وَهُمْ يُجادِلُونَ فِي اللهِ) أي هؤلاء الجهلة يحاجّون ويخاصمون في قدرة الله مع ما يشاهدونه من الآيات الدالة ، فيعترضون على أهل التوحيد ليضلوهم عن طريق الحق. والجدال لغة ، فتل الخصم عن مذهبه ولو كان حقّا ، فأمر الصاعقة ـ مع نشوئها من السحاب ـ أمر عجيب ، وإنشاؤها محرقة من الغيمة المملوءة بالماء أمر مذهل ، وكونها نارا وأنها قد تغوص في ماء البحر فتحرق الحيتان والسمك أمر أعجب وأكبر إذ لا يطفئها ماء البحر ولو غاصت في لججه لكمال قوّتها وشدّة حدّتها ، ولقد رآها من يوثق به تنزل على المسامير الحديدية فتحرقها