لأن البأس في اللغة معناه : الشّدة في القتال (فَهَلْ أَنْتُمْ شاكِرُونَ) أي : هل أنتم حامدون لله على هذه النعمة؟ وهذا أمر في صورة الاستفهام ، جاء به للمبالغة والتقريع ، يعني : اشكروا الله على هذه النعمة العظيمة التي أنعم بها عليكم من صناعة الدرع التي هي لباس الحرب الذي ينجي من طعن الأعداء وضربهم. ونقل عن قتادة أن أول من صنع الدرع كان داود عليهالسلام ، وقبله كان الناس في الحرب يلصقون صفائح الحديد على أبدانهم ، فمنّ الله تعالى على عباده فجعل الحديد ليّنا على يدي نبيّه داود عليهالسلام وعلّمه صنعة الدرع وألهمه كيفية صنعها. وروي أن السبب في تليين الحديد على يدي داود عليهالسلام ، هو أن الله تعالى أعطاه النبوّة والسلطة ، وكان يخرج في الليل ويطوف على الشوارع والسكك وعلى دور الناس حتى يطّلع على أحوالهم ، وكان يتنكّر في زيّه كيلا يعرفه أحد من الرعايا ، وإذا رأى أحدا كان يسأله عن سلوك عمّاله وكيفية معاملتهم للناس ليعلم عدل موظّفيه مع الشعب. وفي ليلة من الليالي نزل جبرائيل عليهالسلام في صورة بشر ، والتقى بداود في الطريق فسلّم عليه فأجابه على السلام ، وسأله داود عن سلوك داود مع الناس فقال له جبرائيل عليهالسلام : كان في غاية الحسن والجودة والعدل لو لم يأكل من بيت المال. فلّما سمع هذا الكلام حلف أن لا يأكل من بيت مال الناس شيئا وسأل الله تعالى أن يعطيه كسبا يسترزق منه حتى يعيش به. فألان الله سبحانه له الحديد وعلّمه صنعة الدّروع ليبيعها وينفق على نفسه من ربحها.
وروي أن لقمان رأى أن داود كان يصنع الدرع ، وأنه كان عند ما يتمّه يقوم فيلبسه ويقول : نعمت الجنّة للحرب! فقال لقمان : الصمت جنّة ، وقليل فاعله. وفي الكافي عن الصادق عليهالسلام أن أمير المؤمنين عليهالسلام قال : أوحى الله تعالى إلى داود عليهالسلام أنك نعم العبد لولا أنك تأكل من بيت المال ولا تعمل بيدك شيئا. قال : فبكى داود أربعين صباحا ، فأوحى الله تعالى إلى الحديد أن لن لعبدي داود. فألان الله تعالى