مستجاب غير مردود ، والحال أن من أولاد إبراهيم عليهالسلام كثيرين عبدوا الأصنام ومع ذلك طلب من ربّه أن يجنّب بنيه ذلك ودعاه بصرفهم عن عبادتها ، فكيف ذلك؟. والجواب من وجهين :
أولا : يمكن أن يكون المراد ببنيه أبناؤه الذين كانوا بلا واسطة كما هو الظاهر كإسماعيل وإسحاق عليهماالسلام لأن المراد هو مطلق الأولاد. وبعبارة أخرى : إن دعاء الإنسان ربّه لنفسه ولأولاده يقصد به أولاده الموجودون عادة وبالفعل ، ولا يشمل الحفدة وحفدة الحفدة كما لا يخفى على أهل العرف. ولذا فإنه حين ينذر الإنسان نذرا أو يوقف وقفا على أولاده ، يحمل النّذر أو الوقف على أولاده الموجودين حين النذر أو الوقف إلّا بقرينة قوليّة كبطن بعد بطن أو فعلية مثلا ، وهذا ظاهر.
وثانيا : يحتمل أن يكون المراد الأولاد الذين مضى في العلم الأزليّ منه تعالى أنهم يؤمنون ولا يعبدون الأصنام ، أي بعض بنيه الذين يعلمهم الله ، وهو عليهالسلام لا يخالف علم الله جلّ جلاله ، فليس العموم مراده. والآية الكريمة الآتية تدل على مراده الذي هو الخصوص الذي احتملناه أولا ، وهي صريحة في الخصوص إذ جيء أولا ب (من) التبعيضيّة ، وثانيا : قال : أسكنت ، يريد السكن الفعليّ لا الأعم ، وثالثا : قوله عليهالسلام : بواد غير ذي زرع لأن مكة كانت يومئذ كذلك.
ثالثا : إن قوله : ومن ذرّيتي تعني البعض من بنيه لا الكلّ ، لا يعبدون الأصنام بل يقيمون الصلاة. والآيات القرآنية يفسّر بعضها بعضا ، ولا يقال إن من كان في علم الله لا يعبد الأصنام ، وكان مؤمنا لا يحتاج إلى الدعاء فإن أثر الدعاء حاصل في حقه وهو من تحصيل الحاصل! لأننا نقول : علمه تعالى بإيمان شخص وكفره ، لا يكون علة تامة له ، فإنه تعالى يعلم أنه يؤمن باختياره أو يكفر باختياره. وهذا العلم لا دخل له في أعمال العاملين من الإيمان والكفر. وأما قول بعض الزنادقة بأن علمه تعالى بشيء لا يمكن أن يتخلّف حيث إن لازمه أن يكون علمه جهلا ، وتعالى الله عن ذلك