أربعين كما قيل ، فحين وصل إلى أول هذه السن وبلغ أشدّه ، والأشدّ في اللغة بضمّ الهمزة وفتحها : إمّا جمع لا واحد له ، أو واحد جاء على بناء الجمع ، ومعناه : منتهى القوّة والإدراك ، أجل حين صار في أول السنّ التي يكمل فيه الإدراك (آتَيْناهُ) أعطيناه ومنحناه (حُكْماً) يحكم به بين الناس ، أو حكمة يتمتع بها ويمتاز على من عداه (وَعِلْماً) بوجوه المصالح وبفقه الدّين وتعبير الرؤيا وغيرها. فإن الناس إذا تحاكموا إلى العزيز كان يرجع إلى يوسف (ع) ليفتي في الأمور ويصدر الأحكام ، لما رأى من عقله وحكمته وإصابة رأيه (وَكَذلِكَ) أي على هذا الشكل من الإنعام (نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) نكافئهم. وفي هذا تنبيه إلى أنه تعالى إنما آتاه ذلك جزاء على إحسانه في عمله وجميع تصرفاته في عنفوان شبابه ، أي في السنّ التي يمكن أن يسيطر فيها الشباب على أحكام العقل ، في حين أن يوسف (ع) أحسن عملا بصبره على الشدائد وبتفويض أمره إلى الله والتمسّك بحبله والرجوع إليه في كل أزمة من أزمات حياته ، فجزاه سبحانه من عنده أحسن جزاء.
* * *
(وَراوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِها عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوابَ وَقالَتْ هَيْتَ لَكَ قالَ مَعاذَ اللهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوايَ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (٢٣) وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِها لَوْ لا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ كَذلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُخْلَصِينَ (٢٤) وَاسْتَبَقَا الْبابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ وَأَلْفَيا سَيِّدَها لَدَى الْبابِ قالَتْ ما جَزاءُ مَنْ أَرادَ بِأَهْلِكَ سُوءاً إِلاَّ أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٢٥) قالَ هِيَ راوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ