معجزة تتحداهم بها ، وما عليك إلّا الإتيان بما يصدّق رسالتك ويدلّ على أنك منذر : مخوّف والآيات كلّها متساوية في حصول الغرض ولو أثّرت أيّة معجزة لأثّرت معجزتك الباهرة ، لأن العصا وإحياء الموتى وغيرهما من المعجزات لم تؤثر في ذوي القلوب القاسية التي طبع عليها بالكفر والإنكار ، وإذا لم يؤثّر القرآن في قومك فلن يؤثر بهم شيء ولو حوّلت الصّفا لهم ذهبا. ولم يجبهم سبحانه إلى طلبهم ولا اعتنى بسؤالهم ولم ينزل عليهم آية لأنه لو أجاب إلى ذلك لاقترح قوم آخرون آية أخرى ، وكذلك كل كافر يطلب ما يلائم طبعه ويوافق هواه وهذا يؤدّي إلى غير نهاية ، فسدّ الله سبحانه هذا الباب وأعطاهم مما يلائم عصرهم وأنزل القرآن الذي بهر العقول وحيّر الألباب ، كما أعطى داود عليهالسلام في عصره الصوت الحسن وترتيل المزامير الذي كانت تتجاوب معه الطيور والوديان والجبال وسائر المخلوقات ، وأعطى سليمان عليهالسلام الملك والعزّ والجاه ولغة الطير وسائر المخلوقات وما لا ينبغي لأحد من بعده ، وأعطى موسى عليهالسلام شيئا يبطل السحر ، وأعطى عيسى عليهالسلام ما تفوّق به على علمهم وطبّهم وجميع قدراتهم ، ثم أعطى محمدا صلىاللهعليهوآله ما يلائم عصره : عصر البيان والبلاغة والفصاحة ، وأنزل عليه من فضله ما لم ينزل على غيره ، أي كتابه المبين الذي فيه علم الأولين والآخرين وفيه تبيان كل شيء ، ذلك الكتاب الذي تحدّى الأفهام ونادى على رؤوس الأشهاد في جزيرة العرب وفي الناس أجمعين : (فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَداءَكُمْ) فلم يأتوا بسورة ولا بآية!. (وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ) يهديهم ويدلّهم ، وداع يرشدهم إلى ما فيه الصلاح ، وليس إليك ـ يا محمد ـ إنزال الآيات للدلالة على نبوّتك ورسالتك. وعن ابن عباس قال : لمّا نزلت هذه الآية قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : أنا المنذر ، وعليّ الهادي من بعدي. يا عليّ بك يهتدي المهتدون. وعن الحاكم أبو القاسم الحسكاني في كتاب شواهد التنزيل عن أبي بردة الأسلمي قال : دعا رسول الله صلىاللهعليهوآله بالطّهور وعنده علي بن أبي طالب فأخذ رسول الله بيد عليّ بعد ما تطهر