معرفة شكره ، فجعل معرفتهم بالتقصير شكرا ، كما علم علم العالمين أنهم لا يدركونه فجعله إيمانا علما منه أنه قد وسع العباد فلا يتجاوز ذلك ، فإن شيئا من خلقه لا يبلغ مدى عبادة من لا مدى له ولا كيف ، تعالى الله عن ذلك علوّا كبيرا.
وفي قوله صلوات الله وسلامه عليه يشير إلى قوله تعالى : (وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ ، كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا). قال أمير المؤمنين عليهالسلام : إن الراسخين في العلم هم الّذين أغناهم الله عن اقتحام الستر المضروبة دون الغيوب ، فلزموا الإقرار بجملة ما جهلوا تفسيره من الغيب المحجوب ، فمدح الله اعترافهم بالعجز عن تناول ما لم يحيطوا به علما ، وسمّى تركهم التعمّق فيما لم يكلّفهم البحث عن كنهه رسوخا .. (إِنَّ الْإِنْسانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ) والظلوم كثير الظّلم إمّا على نفسه بأن يظلمها ويظلم نعم ربّه فلا يشكرها ، أو يكفر بالمنعم الحقيقيّ ولا يرى له عليه حقّا ولا يصبر على البأساء والضراء ولا يحمد في النعمة والرخاء ، بل يجزع ويشتكي من ربّه إلى غيره ، وهو كفّار : شديد الكفر بترك شكر النّعم الكثيرة كنعمة الوجود والجسم القويم والحواسّ السليمة والماء والهواء والرزق والإسلام والإيمان والمال والعيال والولد وغير ذلك مما لا يقع تحت حصر ويضيق بتعداده الذّرع.
* * *
(وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ (٣٥) رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٣٦) رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ