فانطلقوا به مسرعين مخافة أن يأخذه منهم ولا يدفعه إليهم. فلمّا أيقنوا به أتوا به غيضة أشجار أي أجمة فيها أشجار ملتفّة في مغيض ماء فقالوا نذبحه ونلقيه تحت هذه الأشجار فيأكله الذئب الليلة. فقال كبيرهم : لا تقتلوا يوسف وألقوه في غيابة الجب يأخذه بعض السيّارة ، فانطلقوا به إلى الجبّ وألقوه فيه.
وفي بعض التفاسير أنهم لما عزموا جميعا أن يجعلوه في قعر البئر ـ قبل خروجهم ـ أخرجوه من البلد مكرّما ، فلما أصحروا ـ صاروا في الصحراء ـ أظهروا له العداوة وجعلوا يضربونه وهو يستغيث بهم واحدا بعد واحد فلا يغيثه أحد ، وكان يقول يا أبتاه فهمّوا بقتله فمنعهم يهودا ، وقيل بل منعهم لاوى ، فانطلقوا به إلى الجب ـ وكان يومئذ ابن سبع سنين ـ وجعلوا يدلونه في البئر وهو يتعلّق بشفيره ، ثم نزعوا قميصه ليلطّخوه بدم ويذهبوا به إلى أبيهم حتى يكون دليلا على صدق دعواهم الكاذبة. ثم ما زال يستغيث ويستنجد ويقول : لا تفعلوا بي ذلك ، ردّوا عليّ قميصي لأتوارى به ، فكانوا يعيّرونه قائلين : أدع الشمس والقمر والأحد عشر كوكبا لإعانتك ومؤانستك ، وأدلوه في البئر ـ أي شدوا حبلا على وسطه وألقوه في البئر كالدلو ـ ثم لمّا وصل إلى نصف البئر قطعوا الحبل فسقط فيه ثم أوى إلى صخرة في جانبه فقام عليها. وقيل إن يهودا كان يأتيه بالطعام ، وقيل وكّل الله به ملكا يحرسه ويطعمه ، وقيل إن جبرائيل عليهالسلام كان يؤنسه إذ مكث في البئر ثلاثة أيام.
وقد روى المفضّل بن عمر ، عن الإمام الصادق عليهالسلام : أن إبراهيم عليهالسلام لمّا ألقي في النار جرّد عريانا ، فأتاه جبرائيل (ع) بقميص من حرير الجنّة فألبسه إياه ، فكان ذلك الثوب عند إبراهيم عليهالسلام فلما مات ورثه إسحاق فلما مات ورثه يعقوب فلما شبّ يوسف جعل ذلك القميص في تعويذ وعلّقه في عنق يوسف فكان لا يفارقه. فلما ألقي في البئر عريانا جاءه جبرائيل (ع) وكان عليه ذلك التعويذ فأخرج منه القميص وألبسه إياه ، وهو القميص الذي وجد يعقوب ريحه لمّا فصلت