الذي بناه في المدينة دون أجر فهو لولدين فقدا أبويهما (وَكانَ تَحْتَهُ) أي تحت الجدار (كَنْزٌ لَهُما) الكنز هو المال المدفون في الأرض من ذهب أو فضة. وفي الكافي عن الصادق عليهالسلام أنه سئل عن هذا الكنز فقال : أما إنه ما كان ذهبا ولا فضة ، وإنما كان أربع كلمات : لا إله إلّا أنا ، من أيقن لم يضحك سنّه ، ومن أيقن بالحساب لم يفرح قلبه ، ومن أيقن بالقدر لم يخش إلّا الله. وروي في هذا الكنز أخبار لا حاجة لسردها. (وَكانَ أَبُوهُما صالِحاً) مؤمنا بالله مطيعا له ، فعن الصادق عليهالسلام أيضا : إن الله ليحفظ ولد المؤمن إلى ألف سنة. وإن الغلامين كان بينهما وبين أبويهما سبعمائة سنة ، وقيل سبعة آباء ، فيؤخذ من هذه الآية الكريمة أن صلاح الآباء ينفع الأبناء ويفيد الأحفاد وأبناءهم. (فَأَرادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغا أَشُدَّهُما) شاء أن يصلا في العمر إلى الوقت الذي يعرفان فيه ما ينفعهما وما يضرهما ، أي أن يكبرا ويعقلا (وَيَسْتَخْرِجا كَنزَهُما) يكشفانه (رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ) لطفا منه بهما (وَما فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي) يعني أنني ما قمت ببناء الجدار من تلقاء نفسي ، بل أمرني بذلك ربّي. وفي المجمع عن النبي صلىاللهعليهوآله أنه قال : وددنا أن موسى عليهالسلام كان صبر حتى يقصّ علينا من خبرهما. (ذلِكَ تَأْوِيلُ) تفسير (ما لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً) هي : تستطع وقد حذفت التاء تخفيفا.
ولهذه القصة فوائد جمة ، منها أن لا يعجب المرء بنفسه وبعلمه ، وأن لا يبادر إلى إنكار ما لا يعرفه أو لا يستحسنه أو لا يدرك سرّه ، ومنها أن يداوم على التعلّم ويتذلّل للمعلّم ويراعي الأدب في المقال وتوجيه السؤال وغير ذلك من قواعد حسن السلوك.
* * *
(وَيَسْئَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُوا عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْراً (٨٣)