وتظهر الأرض اليابسة تحت الماء فيمشي الناس بين فلقتي البحر بإذن الله ، ففعل فانشقّ البحر بقدرة الله فنودي يا موسى : جز بالناس (لا تَخافُ دَرَكاً وَلا تَخْشى) أي آمنا من أن يدرككم فرعون ، ومؤمّنا من الغرق.
قال ابن عباس : لما أمر الله موسى أن يقطع البحر بقومه وهم ستمائة ألف وثلاثة آلاف ونيّف ليس فيهم ابن ستّين ولا عشرين ، وكان يوسف عليهالسلام قد عهد إلى موسى وهارون عند موته بجسده ، وأن ينقلوه من مصر ، فلم يعرفوا موضعه ، فتحيّرا حتى دلّتهم عجوز على موضعه. فأخذوها وقال موسى للعجوز : سلي حاجتك ، فقالت : أكون معك في الجنة.
ولما فشا أمر خروج موسى ببني إسرائيل من مصر ، خرج فرعون وجنده بطلبهم وكان على مقدمته ألف ألف وخمسمائة ألف سوى ما على الجنبين والقلب. فلما انتهى موسى إلى البحر قال : هاهنا أمرت ، ثم قال موسى للبحر : انفرق ، فأبى. فأوحى الله إليه أن أضرب بعصاك البحر ، فضربه فانفرق فقال لهم موسى : ادخلوا فيه. فقالوا : وكيف وأرضه رطبة ، فدعا الله فهبّت عليها ريح الصّبا فجفّفته. فقالوا : نخاف الغرق ونريد أن يمر كل سبط منّا وحده وأن يرى كل سبط منّا بقية الأسباط لنأمن على بعضنا. فجعل لكل سبط طريقا ، وفتحت لهم بقدرة الله كوى حتى يرى بعضهم بعضا ، ثم دخلوا وجاوزوا البحر جميعا. فأقبل فرعون بجنوده فقالوا له إن موسى قد سحر البحر فصار ـ كما ترى ـ وكان فرعون يركب حصانا عظيما أقبل عليه نحو البحر ، وأقبل جبرائيل عليهالسلام يركب رمكة (أي برذونا) في ثلاثين من الملائكة ، فصار جبرائيل بين يدي فرعون ، فأبصر الحصان الرمكة الزاهية التي يركبها جبرائيل فهجم نحوها واقتحم بفرعون على أثرها بحيث عجز فرعون عن إرجاعه فصاحت الملائكة بقوم فرعون : ألحقوا بالملك فدخلوا وراءه فانطبق الماء عليهم فأغرقهم وذلك قوله تعالى : (فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ ، فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ ما