يعصر كالزيتون والعنب والتمر ، فيحصلون على الزيت والدّبس والخلّ والخمر وغيره كالسمسم الذي يؤخذ زيته وكالذّرة وبزر الكتان وسواه. وقد روي عن الإمامين عليّ والصادق عليهماالسلام قراءتهما بالبناء للمجهول : يعصرون : أي يمطرون بعد المجاعة. والدليل على ذلك قوله تعالى : (وَأَنْزَلْنا مِنَ الْمُعْصِراتِ ماءً ثَجَّاجاً). وبناء على بناء للمجهول يصير هذا الذيل قرينة على أن قوله تعالى : (فِيهِ يُغاثُ النَّاسُ) ، من الغوث لا من الغيث كما لا يخفى على المتأمل. لكن إذا نوقش سند الرواية فالحق أن يقال بكون يغاث من الغيث ، أي يمطر الناس فيترتّب على المطر نبت الزرع والأشجار وحصول الثمر ، ومن ثم يعصر الناس ما شاؤوا من شراب وزيوت. فالقراءة منحصرة على البناء للمعلوم ، والآية الكريمة تكنّي عن كثرة النّعم. وهذه الآية لا علاقة لها بتعبير الرؤيا ، ولكنها ممّا أطلع الله سبحانه يوسف عليه من علم الغيب لتكون دليلا على نبوّته حين حصولها بعد أن ينقضي الوقت الذي حدّد به تفسير الحلم ، ولتكون بشارة بعدم هلاك الناس في سنيّ القحط كما هو المترقّب عادة. لذا رجع الساقي إلى الملك وذكر له ما قاله يوسف في تأويل الرؤيا بحضور الحاشية وأكابر القوم وسائر المعبرّين والكهنة ، فاطمأنّ قلب الملك وارتاحت نفسه وذهبت دهشته وزال خوفه من زوال ملكه ، فأرجع الساقي حالا إلى السّجن وأمر بإخراج يوسف وإطلاق سراحه وإحضاره إليه ليستمع إلى التفسير والبيان من فمه.
* * *
(وَقالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جاءَهُ الرَّسُولُ قالَ ارْجِعْ إِلى رَبِّكَ فَسْئَلْهُ ما بالُ النِّسْوَةِ اللاَّتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ (٥٠) قالَ ما خَطْبُكُنَّ إِذْ راوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ قُلْنَ حاشَ لِلَّهِ ما عَلِمْنا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ قالَتِ