والنهار ، والشمس والقمر. وقد فصّلنا كيفية تعاقب الليل والنهار سابقا ونكتفي به (وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) أي الليل والنهار والشمس والقمر يسبحون في هذا الفضاء الواسع الشاسع ويسيرون كما يسير السابح في الماء. وقد قال : يسبحون ، وأنزلهم منزلة العقلاء تشبيها بهم ، وهو كقوله : (وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ). وذلك لأن حركتهم جميعا تقع بدقة يعجز عنها العقلاء. والفلك لغة : مجرى النجوم ومدارها ، وقد عبّر بالسباحة هنا على وجه جريانها جميعا في الفلك كالسابح الذي يجري على سطح الماء أو فيه ، وقد شبّه الهواء الذي يحملها هنا بالماء الذي يحمل السابح فيه ، ولو لاحظنا بدقة نرى أن الأبعاد الشاسعة في الأفق التي نراها بالعين المجرّدة أو بواسطة الآلات والمراصد ترى كالماء ، فكأن النجوم والكواكب وجميع ما في هذا الفلك الواسع أجرام سابحة فيه ، وكأنه هو بحر لجّيّ يشبه السراب الذي يتألف من الأبخرة الأرضية عند اشتداد الحرارة فيبدو كالماء الجاري أو الساكن المتماوج. وفي الخبر ما مضمونه : خلق الله سبحانه بين السماء والأرض بحرا بقدرته الكاملة ، لا يعلم طوله وعرضه أحد إلّا هو ، وجعل مجاري الكواكب السيارة ومراسيها كلّها فيه ، فهي تجري كما يجري السابح في البحار والأنهار إلخ ... ولا يبعد أن يكون هذا البحر من الماء أو من الهواء أو مما لا نعلمه ، قد جعله الله تعالت قدرته لهذه الغاية ، فالتعبير عن سباحة الليل والنهار والشمس والقمر في ذلك الفلك الهائل في محلّها ، بل هي من أبلغ التصوير وأعظم التدبير لقوم يتفكّرون.
* * *
(وَما جَعَلْنا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخالِدُونَ (٣٤) كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنا تُرْجَعُونَ (٣٥)