برما لما كان من عصيانهم وتماديهم في الكفر والباطل والجرأة على الله تعالى ، فهاجر عنهم بعد أن دعا عليهم بالهلاك وقبل أن يؤذن له بالخروج من قبل الله سبحانه (فَظَنَ) حسب (أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ) أننا لا نضيّق عليه بما قضيناه من حبسه ببطن الحوت. والقدر إذا عدّي ب ـ : على ، يكون معناه الضيق ، وقد جاء بمعنى القضاء والحكم. وقد فعلنا ما قدّرناه عليه من البلاء الصعب (فَنادى فِي الظُّلُماتِ) دعا واستغاث في ظلمات : الليل ، وبطن الحوت ، وغمر الماء ، فنادى يقول في استغاثته : (أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ) لا ربّ سواك ولا معبود غيرك (سُبْحانَكَ) تنزيها لك يا الله عن كلّ ظلم وعما لا يليق بك (إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ) أي : كنت من الظالمين لأنفسهم حين تركت فعل الأولى حيث خرجت من قومي وهاجرت عنهم قبل صدور الإذن من عندك تباركت وتعاليت ، وأنا أعترف بين يديك بما فرط منّي باستعجالي نزول العذاب وباستعجال الخروج عن قومي الذين قضيت بإنزال عذابك عليهم.
فاذكر يا محمد قصة يونس وما كان من دعائه واعترافه ، حيث سمعنا دعاءه وقبلنا اعتذاره (فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَنَجَّيْناهُ مِنَ الْغَمِ) خلّصناه من الضيق الذي حاق به أثناء حبسه في بطن الحوت فألهمنا الحوت أن يقذفه على الساحل بعد ثلاثة أيام أو أكثر بعد أن أبقيناه حيّا بقدرتنا ومشيئتنا.
وعن الإمام الصادق عليهالسلام وقد سئل : ما السبب حتى ظنّ أن لن نقدر عليه؟ فقال : وكله الله إلى نفسه طرفة عين. وفي الخصال والفقيه عنه عليهالسلام أيضا أنه قال في حديث : عجبت لمن اغتمّ كيف لا يفزع إلى قوله تعالى : (لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ) .. إلى : (نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ). وروي عن النبيّ صلىاللهعليهوآله قوله : ما من مكروب يدعو بهذا الدعاء إلّا استجيب له.
* * *