وحاجة ، معاملة الغرباء ، وحاشا نبيّ الله من ذلك. ولذلك أمر بردّ البضاعة إليهم خفية عنهم وبحيث لا يرونها إلى بعد منقلبهم إلى أهلهم وبعد فتح الأحمال التي جاؤا بها من مصر ، وقد تعمّد ذلك معهم كيلا يخجلوا أو يتأثروا من ردها علنا أمام الملك وأعوانه من زعماء المملكة الذين كانوا في محضره. وهذا عمل بلغ غاية الحسن ووقع في محلّه ومن أهله بلا شك ، وهو بالتالي يصير سببا لإرضاء أبيه ولإدخال السرور عليه ولقبوله بإرسال أخيه الأصغر ـ بنيامين ـ مع إخوته في الرحلة الثانية ، إذ من المتوقع أن لا يسخو يعقوب عليهالسلام بإرساله مع هؤلاء الإخوة بالنظر لسوء ما سبق عنده منهم في أبنه يوسف عليهالسلام.
والحاصل أنه قال للعمّال : اجعلوا بضاعتهم في رحالهم (لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَها إِذَا انْقَلَبُوا إِلى أَهْلِهِمْ) أي عسى أن يعرفوها حين يعودون إلى أهلهم ووطنهم. والأصوب عندي أن «لعلّهم» هنا بمعنى : كي ، أو للتحقيق ، فإنهم سيعرفونها. وفي قوله تعالى : (لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) ما يقوّي معنى : كي ، هنا كما هو الظاهر بعد التأمل. وفي تعليق المعرفة بحين انقلابهم ورجوعهم إلى أهلهم رمز إلى ما قلناه من أنه عليهالسلام قيّد الكيّالين بردّ البضاعة بشكل خفيّ وبحيث لا يعلمون ولا يقفون موقف خجل ولا يرفضون ذلك أمام الملك وأعوانه لأنهم من أبناء النبيّين المحترمين المعروفين بالعزّة والأنفة في هذه الأمور ، مضافا إلى أن الردّ العلنيّ يكشف عن فقرهم أمام رجالات الدّولة ويوسف (ع) يعلم بأنه سيظهر أمرهم وسينكشف أنهم إخوته وهو لا يرضى بمثل هذا العار وأن إخوته جاؤوا من عند ذي فاقة وهو نبيّ الله يعقوب ـ أبوه ـ عليهماالسلام. وهذا وغيره مما تراه من تصرفات يوسف لم تكن إلّا من أعمال الأنبياء وأفعالهم التي لا تكون إلّا بوحي إلهيّ لا بشهوة نفس. فمعنى : لعلّهم يرجعون أي ليكون ردّ البضاعة سببا لرجوعهم ومعهم أخوهم فإن في هذا أيضا سرّا آخر إذ حصلوا على الميرة بلا ثمن مما يحدوهم بإحضار أخيهم ليربحوا زيادة في الميرة كما سترى بعد قليل من الآيات الكريمة.