سرقه لا أن يستعبده ويسترقّه (ما كانَ لِيَأْخُذَ أَخاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ) أي أنه لم يكن ليحقّ ليوسف أن يأخذ أخاه إليه ويستبقيه عنده في شرع ملك مصر والحال كما ذكرنا من قصاصه وتغريمه فقط (إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) إلّا في حال أنّ الله تعالى يريد القضاء في هذه الواقعة بشكل يخوّل يوسف أخذ أخيه لمصلحة اقتضت ذلك في المقام. وعليه صدر حكم ملك مصر وجرى على غير شرعه وتمّ الظاهر الذي يبتغيه يوسف عليهالسلام لأنه على شرع أبيه يعقوب عليهالسلام وهو الذي أجراه في واقع الأمر.
أما لفظ الكيد فمعناه المكر والحيلة والخدعة ، وهي كلّها محال في حقه سبحانه وتعالى لأنها من الأوصاف المذمومة. ولكنها في بعض الموارد تنسب إليه وتعني حسن التدبير للمخرج من المآزق المستعصية ، وتحمل على غايات وأغراض مفيدة ولا تحمل على بداياتها. والمراد بالكيد هنا فضلا عمّا قلنا هو إلقاء الإنسان من حيث لا يشعر في مكروه عنده ولا سبيل له في دفعه : وذلك من أجل تحقيق مصالح تكمن وراء إيقاعه في ذلك المكروه.
وهكذا شاء الله سبحانه أن يكشف ليوسف طريقا لأخذ أخيه بفتوى بقية إخوته وعقّب جلّ وعلا على هذه النعمة بقوله الكريم : (نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ) نرفع من نريد بالعلم والحكمة والتأييد كما رفعناه بالمرتبة والمقام والأحكام وبتأويل الرؤيا وبالنجاة من جميع المهالك والنصر في سائر المسالك (وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ) أي أن إخوة يوسف هم علماء فعلا وفضلاء ؛ إلّا أن يوسف كان أعلم منهم وأعرف ، والله وحده هو الذي ليس فوقه عليم .. وفي الآية الكريمة دلالة على أنه تعالى عالم بالذات بجميع معلوماته ، لا أنه عالم بعلم قديم زائد على ذاته المقدّسة قائم بها قيام الصفة بموصوفها ، فإنه لو كان كذا ، ليمكن أن نتصوّر فوقه عالما. والتخصيص بعلم المخلوق خلاف ظاهر الكريمة.
والحاصل أنه عند استخراج الصواع من وعاء بنيامين ، اضطربت حال إخوته لهذه الفجأة المخجلة بعد ما رأوا من الإكرام والاحترام ما لا يوصف