من الله ما لا تعلمون ، فهو عالم قطعا بحياتهما ، ولذا أمر أبناءه بالرجوع إلى مصر ليتحسّسوا : أي يتفحّصوا عن يوسف وأخيه قائلا لهم : (وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللهِ) أي لا تقنطوا من رحمته تعالى ولا تقطعوا الأمل من فرجه. وقيل إنه لمّا أخبروه بسيرة الملك قال لعله يوسف لأن شمائله شمائل الأنبياء ، وبناء على ذلك قال اطلبوه وأخاه ، واستقصوا الأمر فإنه قد ألقي في روعي أن الذي احتبس بنيامين بمكيدة إخفاء الصاع في رحله لا بد أن يكون يوسف أو ذا علاقة به لأنه افتعل هذه القصة مع أخي يوسف من أمه دون سائر إخوته.
ولسائل أن يسأل : كيف خفي خبر يوسف طيلة هذه المدة مع قرب المسافة ، وكيف لم يعلم يوسف أباه بقصته وخبره لتسكن نفسه ويزول وجده؟. والجواب ـ كما عن الجبائي ـ أن يوسف قد وضع في البئر ، ثم نجّاه الله من الهلاك فبيع من عزيز مصر الذي ألزمه داره سنين ، ثم بعث إلى السجن بضع سنين أيضا ، فحيل بينه وبين الناس بذلك وانقطعت عنه الأخبار ، وتعسّر عليه الاتصال بأبيه إلى أن تمكّن من اصطناع هذه الطريقة وتدبّر إيصال خبره بأبيه على الوجه الذي أمكنه ، فإنه كان لا يأمن على وصول رسول يبعثه لأبيه فقد لا يمكّنه إخوته من الاتصال بأبيه لأنهم كانوا أقوياء ولا يحبون أن يفتضح أمرهم ، فهم لا يروحون إلى مصر للاتصال به ولو ماتوا جوعا ، ولا يدعون والدهم يعرف ويروح إليها ففي ذلك خزيهم وظهور مكرهم وكذبهم ، فعلّم الله سبحانه يوسف اصطناع هذه الحيلة لإيصال خبره إلى أبيه بطريقة لا يشعر بها إخوته ، وبحيث يكون مالهم جميعا إليه ليظهروا الندامة والتقصير بحقه ، وليعترفوا بكونهم خاطئين بأحسن الطرق وأبعدها عن أذهانهم.
وقد قال المرتضى قدّس الله سرّه : يجوز أن يكون ذلك ممكنا ، وهو عليه قادر ، حيث كان له عليهالسلام السلطة التامة في ذاك اليوم ، لكن الله سبحانه أوحى إليه بأن يعدل عن اطلاعه على خبره تشديدا للمحنة على أبيه (ع) ورفعا لدرجته ، فهو سبحانه قد يصعّب التكليف على أوليائه وقد