إن يجيء ذلك السّحر لأنه خير أوقات الدعاء. وحين يبني الإنسان على الاستغفار يدعو في كل حين وأيّ حين إذا حصلت أسباب الاستغفار ومقتضياته ، فتأمّل مرادي إن كان قد قصر بياني.
وبعبارة أخرى إن للدعاء حيثيتين وجهتين ، إحداهما زمانية ، وأخرى علّية ، وكلّ واحدة غير الأخرى. ففي ما نحن فيه الروايات متكفلة للأولى ، وما ذكرناه للثانية ، فلا منافاة بينهما. وعلى فرض أن يراد منها الجهة الثانية أيضا فلا يستفاد منها الانحصار كما لا يخفى ، ويدل على ما ذكرناه من تأخير استغفاره لهم أو يشير إليه ، أنه ربما كان قد أحب أن يرى يوسف ويعرف إذا كان قد رضى وعفا عنهم ، وهل هم أهل للرضا والمغفرة أم لا.
وروي أن أبناء يعقوب قالوا لأبيهم ذلك وقد غلبهم الخوف والبكاء ، وذلك لا يغني عنهم شيئا إن لم يغفر لهم ، فاستقبل الشيخ القبلة قائما يدعو ، ويوسف خلفه يؤمّن ، وقد قام أولاده خلفهما أذلّة خاشعين ، وبقوا على ذلك عشرين سنة حتى قلّ صبرهم فظنوا أنها الهلكة ، فنزل جبرائيل عليهالسلام وقال : إن الله تعالى أجاب دعوتك في ولدك .. (إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ).
* * *
(فَلَمَّا دَخَلُوا عَلى يُوسُفَ آوى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شاءَ اللهُ آمِنِينَ (٩٩) وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّداً وَقالَ يا أَبَتِ هذا تَأْوِيلُ رُءْيايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَها رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطانُ بَيْنِي وَبَيْنَ