فأمر بها فحوّلت إلى منزله وكانت هرمة ، فقال لها : ألست فعلت بي كذا وكذا؟ فقالت : يا نبيّ الله لا تلمني فإني بليت بثلاثة لم يبل بها أحد. قال : وما هي؟ قالت : بليت بحبّك ولم يخلق الله لك في الدنيا نظيرا ، وبليت بأنه لم يكن في مصر امرأة أجمل منّي ولا أكثر مالا منّي نزع عنّي ، وبليت بزوج عنّين. فقال لها يوسف : فما تريدين؟ فقالت : تسأل الله أن يرد عليّ شبابي. فسأل الله فرد عليها شبابها ، فتزوّجها وهي بكر ، وكان ذلك الدعاء والتزويج بإذن من الله وبمشيئته بمقابل تلك النفس الرياضية الشريفة من يوسف (ع) فإن حفظ النفس الأمّارة بالسوء ، وإرغام الشيطان في تلك المواقف الخطيرة التي ابتلي بها مع أجمل نساء زمانه وهو في عنفوان شبابه بلا مانع ولا رادع ومع وجود المقتضيات وتمام تهيّؤ الجهات الظاهرية ـ إن ذلك كان من أتمّ الجهاد النفسي الرائع ومن أفراد ومصاديق التقوى. فإن قضية يوسف (ع) مع امرأة العزيز قضية بلاء من النوع الثقيل ، وفتنة لا يتحمّلها ولا ينجو منها أكثر أهل الإيمان العادي الذين لم يبلغوا درجة الكمال ، واختبار لا يثبت أمامه إلّا أهل الورع العظيم ، لأن سهام الشيطان لا ينجو منها في ذلك الميدان إلّا من امتحن الله قلبه للإيمان ومحضه إياه محضا ، لأن ذلك الموقف تكبو له الجياد وتنبو الصوارم ، وتنهزم أمامه القوى ، إلّا من عصم الله من عباده الذين اصطفى .. فلا جرم أن يكافئ الله نبيّه هذا عليهالسلام في دار الدّنيا ويعود عليه بفضله على صبره ورضاه ، بل لا غرو أن يجازي تلك العبدة المبتلاة بما ذكرناه بعد أن رماها بالتأيم بعد العزّ وبالفقر بعد الغنى وبالذل بعد المجد الباذخ ، ثم بقيت على ما هي عليه بنتا باكرا حتى بلغت من الكبر عتيا دون أن ترخص نفسها ، فمنّ الله عليها بتحقيق رغبتها ، وألهم يوسف بالتزويج منها ، ومنّ عليها بالأولاد ذكورا وإناثا ، فسبحان من يعطي في الدنيا ما يعجز المرء عن شكره من النّعم والفضل ، ويعطي في الآخرة بغير حساب جودا منه وكرما وإحسانا.
هذا ، وبعد إتمام سرد قصة يوسف عليهالسلام على سمع نبيّنا محمد