« ب » بعد وجود « آ ». وأمّا إذا علم وجود « ب » فيمكن أن تكون موجودة لوجود علّة اخرى سوى « آ » ولا تكون « آ » موجودة بعد ، ففي هذه الصورة ـ أعني : صورة عدم العلم بانحصار العلّة ـ يتحقق الفرق باستلزام العلم بالعلّة للعلم بمعلول مخصوص واستلزام / ١٣٠ DA / العلم بمعلول مخصوص للعلم بعلّة ما ، فالفرق بين العلم بالعلّة والعلم بالمعلول في استلزام إحداهما للآخر لا يتحقّق إلاّ في هذه الصورة.
والحقّ انّ مراد القوم من قولهم العلم بالعلّة يستلزم العلم بالمعلول ليس ما ذكره هذا الفاضل من أنّ العلم بوجود العلّة يستلزم العلم بوجود معلول مخصوص بخلاف العكس ؛ فانّ هذا ليس مرادهم ولا يرتبط به مقاصدهم. فانّهم فرّعوا عليه انّ علم الواجب بذاته يوجب علمه بجميع الموجودات ، ولا ريب في أنّ المطلوب اثبات علم الواجب بحقائق الأشياء لا بكونها موجودة. فمرادهم ـ كما يفهم من موارد استعمالاتهم ـ انّ تعقل العلّة بتمام ماهيتها يستلزم تعقّل لوازمها ؛ والمعلول من جملة لوازمها ، فيستلزم تعقّله. وهذا صحيح ، إلاّ انّ ما ذكره من عدم ثبوت عكسه فقد عرفت ما فيه.
وقد ثبت ممّا ذكرناه أنّ استلزام العلم بالعلّة للعلم بالمعلول انّما هو إذا علم العلّة بالكنه ـ أي : بتمام ماهيتها ولوازمها وملزوماتها ـ أو بالوجه الّذي ينشأ منه المعلول ـ أي : علم ماهيتها من حيث أنّها مستلزمة للمعلول وعلّة إلى آخره ـ. والأوّل علم تامّ بالعلّة والثاني وان كان علما ناقصا بالعلّة إلاّ انّه يستلزم العلم بالمعلول لا مطلقا ، بل من حيث هو لازم للعلّة او معلول لها. ضرورة انّ الملزومية واللازمية والعلّية والمعلولية من المتضايفات الّتي لا يتصوّر ولا يصدق إلاّ بثبوتها معا.
وبذلك يظهر انّ تعلّق العلم بماهية العلة من حيث هي لا باعتبار آخر لا يستلزم تعلّق العلم بالمعلول أصلا. اللهم إلاّ أن يكون المعلول لازما بيّنا لماهية العلّة بمعنى انّه يلزم من تصور ماهية العلّة تصوّر ماهية المعلول. وأمّا تعقّله بكنه العلّة فلايجابه تصوّر لوازمها الّتي من جملتها المعلول ، فيستلزم تعقّله. فما ذكره فخر الدين الرازي في المحصّل (١) من : « انّا متى تعقّلنا العلّة بكنهها فقد حصل في الذهن ماهية موجبة لماهية المعلول ومتى كان كذلك
__________________
(١) الاصل : الملخص.