تامّا واحاطة كاملة ، فهو عالم فيه بأنّ أيّ حادث يوجد في أيّ / ١٥٨ DB / زمان من الأزمنة وكم يكون بينه وبين الحادث الّذي بعده أو قبله من المدّة. ولا يحكم بالعدم على شيء من ذلك بل بدل ما يحكم بان الماضي ليس موجودا في الحال يحكم بأنّ كلّ موجود في زمان معيّن لا يكون موجودا في غير ذلك الزمان من الأزمنة الّتي تكون قبله أو بعده ، وهو عالم بأنّ كلّ شخص في أيّ جزء يوجد من المكان وأيّ نسبة تكون بينه وبين ما عداه ممّا يقع في جميع جهاته ، وكم الأبعاد بينهما على الوجه المطابق للحكم. ولا يحكم على شيء بانّه موجود الآن أو معدوم أو موجود هناك أو معدوم أو حاضر أو غائب ، لانّه ـ سبحانه ـ ليس بزماني ولا مكانى ، بل هو بكلّ شيء محيط ازلا وأبدا ( يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِما شاءَ ) (١) ؛ انتهى.
أقول : لا ريب في انّ هذا الوجه ـ أعني : عدم كونه تعالى زمانيا واستواء نسبة جميع الأوقات والأزمان إليه تعالى وكون نسبته إلى جميع الأمور المتحدة المتعاقبة نسبة واحدة ومعية قيومية غير زمانية ـ ممّا صرّح به سلف الحكماء ، وهو صحيح في نفسه المتعالي عن الزمان والزمانيات والمحيط بهما ؛ لا يكون بالنسبة إلى ذاته وعلمه حال ومضيّ واستقبال ولا غيبة ولا حضور ـ كما قال بعض العرفاء : ليس عند ربّك صباح ولا مساء ـ ، كما انّ المتقدّس عن المكان والمكانيات لا يتحقّق له بالنسبة إلى مكان قرب ولا بعد ، بل نسبته إلى الكلّ نسبة واحدة غير متغيرة ولا متجدّدة. وعلى هذا يلزم أن يكون الواجب ـ سبحانه ـ في الأزل عالما بالأشياء على ما هي عليه كما يكون عالما بها فيما لا يزال ، ويكون انكشاف جميع الأشياء ـ من المجرّدات والمادّيات والحوادث الزمانية ـ في جميع الأوقات عنده على نهج واحد.
فان قيل : هذا الوجه لا يدفع الاشكال المذكور ـ أعني : عدم تصوّر حضور المعدوم وانكشافه عند الواجب ـ ، فانّ هذا الاشكال كما يرد على أصل المدّعى ـ أعني : كون علم الواجب بجميع الأشياء حضوريا سابقا على وجوداتها ـ يرد على هذا الوجه الّذي قيل جوابا عن الاشكال المذكور المورد على المدّعى ؛ إذ لقائل أن يقول : كيف يعقل
__________________
(١) كريمة ٢٥٥ ، البقرة.