البحث الثاني
في كيفية علمه ـ تعالى ـ
بالأشياء قبل وجودها وبعده بحيث
لا يلزم منه كثرة وتركّب في ذاته ولا جهل
ونقص وافتقار في حقّه ، ولا كونه فاعلا وقابلا ؛
وبالجملة على ما يليق بجناب قدسه وساحة كبريائه
ولعمري انّ هذه المسألة من أغمض المسائل الإلهية وأصعب المباحث الحكمية ، ولذا ترى العقلاء فيها كالحيارى وأحدثوا فيها مذاهب شتى. ونحن نذكر أوّلا مذاهب العقلاء في ذلك ثمّ ما يرد على كلّ منها ، ثمّ نشير إلى ما هو الحقّ.
فنقول : أصول / ١٣٢ DB / المذاهب في ذلك سبعة.
الأوّل : مذهب المعتزلة ، وهو : انّ علمه ـ تعالى ـ بالاشياء بحضور ماهياتها الثابتة في الخارج قبل وجودها عنده. وهذا بناء على ما ذهبوا إليه من قولهم بثبوت المعدومات.
الثاني : مذهب افلاطون الإلهي ، وهو : انّ علمه ـ تعالى ـ بالأشياء بصور مفارقة قائمة بذواتها منفصلة عنه ـ تعالى ـ وعن الأشياء. وفسّرها الشيخ بأنّها صور مفارقة على ترتيب موضوعة في صقع الربوبية ، وهذه الصور هى الصور المسمّاة : « بالمثل الأفلاطونية ».
وغرض افلاطون انّ لكلّ شيء في صقع الربوبية صورة مفارقة قائمة بذاتها حاضرة عند الواجب يشاهدها بالعلم الحضوري ويعلم كلّ شيء بصورته المختصّة به ، فيكون علمه بتلك الصور حضوريا وبالاشياء الّتي تلك الصور بإزائها صوريا حصوليا.
الثالث : مذهب فرفوريوس ومن تبعه من المشائين ، وهو : انّ علمه ـ تعالى ـ بالأشياء جميعا بالصور ، إلاّ أنّ ذاته ـ تعالى ـ متّحد بالصور المعقولة فلا تكون تلك