يعقلها من ذاته ، لأنّها فائضة عنه وذاته مجرّدة ، فهو عاقل ذاته وذاته معقولة ، فهو عاقل ومعقول والموجودات كلها معقولة. / ١٣٥ BD / على أنّها عنه لا فيه ». وقال في تعليق بعده : « هو يعقل الأشياء لا على أنّها تحصل في ذاته كما نعقلها نحن ، بل على أنّها تصدر عن ذاته ، فانّ ذاته سبب لها ». وقال في موضع آخر : « وجوده ـ تعالى ـ مباين لسائر الموجودات وتعقّله مباين لسائر التعقّلات ، فانّ تعقّله على انّه عنه ـ أي : على أنّه مبدأ فاعلي له ـ ، وتعقّل غيره على انّه فيه ـ أي على : انّه مبدأ قابل له ـ » ؛ انتهى.
وأنت بعد التأمّل في تلك العبارات تجدها مطابقة لعبارات الشفا ، ويتضح كونها منطبقة على المذهب الرابع.
والعجب انّ بعض الأفاضل بعد أن نقل بعض العبارات المذكورة من الشفا والتعليقات قال : « وفي كلام الشيخ تنصيصات وتصريحات على أنّ التحقيق عنده في مسئلة العلم هو العلم الحضوري. وظنّي انّ من رأى في كلام الشيخ مثل هذه التنصيصات والتصريحات لم يبق له مجال أن يتوهّم أنّ مذهبه في علم الواجب بالأشياء بحصول الصور في الذات » ؛ انتهى.
وأنت بعد الاحاطة بما ذكرناه تعلم انّه ليس في كلام الشيخ موضع تنصيص ، بل ايماء وتلويح إلى ما ذكره بوجه. وكان عليه أن يعيّن الموضع وينصّ على كيفية الدلالة حتّى ينظر فيه ، ثمّ يبادر إلى الردّ والقبول.
وهذا الفاضل قد حمل عبارة الاشارات الّتي حملها الشارح المحقّق على العلم الحصولي على العلم الحضوري أيضا ، واستبعد ـ غاية الاستبعاد ـ من حمل المحقّق ؛ فلنذكر عبارة الشيخ ثمّ عبارة المحقّق ثمّ عبارة هذا الفاضل ثمّ نشير إلى موضع اشتباهه.
قال الشيخ : « وهم وتنبيه. ولعلّك تقول : إن كانت المعقولات لا تتحد بالعاقل ولا بعضها مع بعض ـ كما ذكرت ـ ثمّ سلّمت انّ واجب الوجود يعقل كلّ شيء فليس واحدا حقّا ، بل هناك كثرة ؛ فنقول : انّه لمّا كان يعقل ذاته بذاته ثمّ يلزم قيوميّته عقلا بذاته لذاته أن يعقل الكثرة جاءت الكثرة لازمة متأخّرة لا داخلة في الذات مقوّمة. والغرض انّ القيوم لمّا كان هو القائم بذاته المقيم بغيره والقائم بذاته ليس إلاّ المجرّد فهو