احتياجه ـ تعالى ـ في صفة كمالي إلى غيره ، واتصافه بالكمال بعد ما لم يكن وإن كان الأمر في الواقع ونفس الأمر كذلك. أي : كلّ موجود ، فهو مع ما يكون فيه من الصور حاضر عنده ـ تعالى ـ وظاهر لديه. ومنه يظهر علمه التفصيلي ـ على التفصيل المذكور ـ. الاّ انّه لا يجب البتّة اثبات تلك المراتب لتصحيح علمه ـ تعالى ـ ، بل هو عالم بالجميع على التفصيل ـ قبل وجود هذه المراتب وبعد وجودها ـ على نحو واحد من غير لزوم تفاوت بالخفاء والوضوح. على انّ علمه الكمالي بزعمهم ليس إلاّ علمه الاجمالي ، فأيّ حاجة باعتقادهم إلى اثبات مراتب العلم التفصيلي ، فوجوب عدم انفكاكه ـ تعالى ـ عن العلم بالاشياء في جميع المراتب ممنوع ، لكن لا يلزم منه اثبات تلك المراتب ؛ بل علمه الاجمالي ثابت في جميع المراتب ، وهو يكفي بزعمهم. اللهم إلاّ أن يقال : انّ اثباتهم تلك المراتب ليس لتصحيح علمه ، بل انّما هو لثبوتها في نفس الأمر ، فانّهم بعد ما اثبتوا العلم الكمالي الاجمالي ـ لما اقتضت الادلّة تحقّق تلك المراتب ـ لزمهم التصريح بثبوتها وبعالميته ـ تعالى ـ بها على النحو المذكور.
وامّا ثانيا : فلانّه لو تمّ ما ذكره لزم اثبات مراتب غير متناهية لعلمه ـ تعالى ـ ، ولا وجه للتخصيص بأربع ، إذ الحوادث غير متناهية ويجب علمه ـ تعالى ـ بكلّ منها في مرتبة وجود علّته ، فيلزم اثبات مراتب غير متناهية لعلمه ـ تعالى ـ.
ثمّ ما ذكروه من انّ وجودات تلك العلل علوم تفصيلية له ـ تعالى ـ بذواتها وعلم اجمالي بسائر الأشياء كما انّ وجوده ـ تعالى ـ علم تفصيلي له بذاته وعلم اجمالي بمعلولاته يدلّ على انّ تلك العلل بمنزلة المجمل لسائر الأشياء وذواتها علوم بالاشياء ـ كما في الواجب بعينه ـ ، وهو مبني على كون صفات العقول عينا لذواتها ـ كما نسب الى الحكماء ـ. ولو قيل بزيادتها لكانت صورا لأشياء المرتسمة فيها علوما تفصيلية لها لا اجمالية.
ويمكن أن يقال في توجيه كلام من صرّح بأنّ تلك المرتبة علم اجمالي لسائر الاشياء على تقدير زيادة صفات العقول : بأنّ مراده انّ تلك المرتبة علم تفصيلي بذوات تلك العلل بحضورها بذواتها ، واجمالي بالنسبة إلى باقي الموجودات. لانّ صور الجميع مكوّنة فيها ، لا لانّ وجودها علم اجمالي بها وكون تلك المرتبة اجمالية حينئذ بالنسبة إلى المرتبة الّتي