العاقل لذاته حاصلة له من غير أن يحلّ فيه » (١) ، فانّ المراد من المعلولات الذاتية هي المعلولات القريبة ـ أعني : المبادي العالية المجرّدة عن الموادّ ـ. فيصير حاصل مذهبه على هذا التفصيل كون علمه بالمعلولات القريبة ـ أعني : المجرّدات ـ بحضور ذواتها بأنفسها وبالزمانيات والمادّيات بحصول صورها في المعلولات القريبة مطلقا ـ أعني : قبل وجوداتها وبعدها ـ حيث لا يتصوّر هناك ـ أي : في الصور المرتسمة بين المعلولات القريبة ـ قبلية وبعدية. وحينئذ فيكون مراده من كلامه المذكور من شرح الرسالة كون جميع الأزمنة على السوية بالنسبة إليه ـ تعالى ـ في علمه بالمعلولات البعيدة ـ أعني : المادّيات والزمانيات ـ في الشهود العلمي الارتباطي أو في الوجود العيني. لكن لا بمعنى كون جميعها حاضرة عنده وكون نسبة حضوراتها العينية بالنسبة إليه ـ تعالى ـ على السوية من غير قبلية وبعدية حتّى يرجع إلى ما ذكرنا من كون الأشياء حاضرة له بوجوداتها العينية عنده في الأزل وإن لم يوجد بعد ؛ بل بمعنى انّه لا يمكن أن يحصل لشيء من الزمانيات والمكانيات نسبة حضور معه ـ تعالى ـ أصلا. ولا يمكن أن يحمل مذهبه على التفصيل باعتبار قبل الوجود وبعده بأن يكون مراده انّ علمه بالأشياء قبل أزمنة وجوداتها بالصور الزائدة على ذواتها وعند وجوداتها وبعده بنفس ذواتها ، لأنّه إذا قال بحضور الزمانيات والمادّيات عنده ـ تعالى ـ بحسب الوجود العيني بعد كونها موجودة لزمه أن لا يكون فرق بين قبل الوجود وعنده وبعده ـ بمقتضى الكلام المنقول عن شرح الرسالة ـ. فلا معنى لكون علمه ـ تعالى ـ بها قبل أزمنة وجوداتها بالصور الزائدة على ذواتها وعند وجوداتها بنفس ذواتها مع استواء نسبتها حينئذ إليه من دون قبلية وبعدية بمقتضى الكلام المذكور ، فانّ بعد تسليم حضورها مع استواء نسبة أزمنة وجوداتها إذا كانت موجودة يوجب الاعتراف بكونها كذلك قبل الوجود أيضا ـ بمقتضى الكلام المذكور ـ.
ثمّ يلزم على مذهبه ـ بناء على الحمل المذكور ـ عدم حضور المادّي بوجوده العيني عند الواجب كما ذهب إليه الحكماء من قولهم بعدم حضور المادّي عند المجرّد والزماني عند غير الزماني ، ولذا / ١٧٦ DA / قالوا بالعلم الصوري. وحينئذ فيكون الفرق بين
__________________
(١) راجع : شرح الطوسي على الاشارات ، ج ٣ ص ٣٠٥.