قد تعقل كما تعقل الكلّيات » إشارة إلى انّها قد تدرك من حيث طبائعها المجردة عن المخصّصات والمشخّصات ، وقيد بقوله : « من حيث يجب باسبابها » ليكون الادراك لها على نحو الكلّية يقينيا غير ظنيّ ، فانّ العلم اليقيني بالأشياء ما يحصل من عللها واسبابها. وقوله : « منسوبة إلى مبدأ نوعه في شخصه » معناه : انّ تلك الأشياء منسوبة إلى مبدأ طبيعة النوعية منحصرة في ذلك الشخص ؛ والمراد : انّ تلك الأشياء الجزئية انّما يجب بأسبابها من حيث انّ تلك الأسباب طبائع أيضا ، فكما انّ الأشياء الجزئية تعقل من حيث انّها طبائع كذلك أسبابها أيضا تعقل من حيث انّها طبائع منحصرة في ذلك الشخص. وقوله : « يتخصّص به » معناه يتخصّص تلك الأشياء الجزئية بذلك المبدأ الّذي نوعه منحصر في شخصه. وإنّما قال : « منسوبة إلى مبدأ كذلك » ولم يقل : « معلولة له » ، لأنّ الجزئى من حيث هو جزئي لا يكون معلولا لطبيعة غير جزئية ولا الطبيعة علّة له من حيث هو كذلك. كذا ذكره العلاّمة الطوسي في شرحه (١)
وقال صاحب المحاكمات : « لو كان الكلام في الجزئيات من حيث انّها طبائع فمن الجائز استنادها إلى الطبائع ، فمعلوم من ذلك انّ الكلام في الجزئيات من حيث هي جزئية. والوجه في ذلك انّه اشارة إلى أنّ العلم بالأسباب الجزئية المعينة غير لازم من العلم بالمسببات الجزئية ، بل العلم بالأسباب المطلقة كاف فيه كما انّ العلم بالكسوف الجزئي يتوقّف على العلم بكون القمر في عقدة معينة في وقت معيّن ، وكون القمر في تلك / ١٨٥ MA / العقدة في ذلك الوقت أمر كلّي وإن انحصر نوعه في شخصه » (٢) ؛ انتهى.
إذا عرفت ذلك فاعلم! ، انّ مراد العلاّمة الخفري ـ رحمهالله ـ انّ غرض الشيخ من هذه الكلمات بيان انّ علم الواجب ـ سبحانه ـ بالجزئيات إنّما هو بنحو كلّي مقدّس عن التغيّر ويلزمه خروج المشخّصات والوجودات العينية عن علمه ـ سبحانه ـ. وبعض من اعتقد انّ مذهب الشيخ في علم الواجب هو العلم الحضوري دون الحصولي حمل
__________________
(١) راجع : نفس التعليقة السالفة.
(٢) راجع : المحاكمات ـ المطبوع في ذيل شرح الطوسي على الاشارات ـ ، ج ٣ ص ٣١١.