كلّ منهما في الواقع ونفس الأمر ممّا لا موجب لانكاره ؛ أمّا الأوّل فكما يسمع في المنام أو بالالهام العقلي ؛ وامّا الثاني فكما في كلّ معنى يلقى إلى النفس ، إلاّ أنّ الثاني راجع إلى العلم وليس كلاما بحسب اللغة والعرف ، والأوّل وإن امكن منع كونه كلاما أيضا إلاّ أنّ الظاهر تحقّق العرف الخاصّ على اطلاق الكلام عليه.
فان قيل : مطلق الكلام هل هو عند الغزالي مشترك لفظي بين الكلام اللفظي وبين الكلام الّذي هو مسموع بلا صوت وحرف بالمعنى الثاني؟ ، أو مشترك معنوي بينهما؟ ، أو مجاز في الثاني؟ ؛
قلنا : الظاهر / ٢١١ DB / من مذاقه أنّ اطلاق الكلام بمعنى ما به التكلّم على اللفظي وعلى الّذي بلا صوت وحرف بالاشتراك المعنوي ، فانّ معناه ما ينبئ عن الواقع أو يسفر عن الطلب ونحوه ، سواء كان الانباء والاشعار بلا واسطة ـ كمعان الألفاظ ـ أو بواسطة ـ كالالفاظ الدالّة على المعاني المنبئة عن الواقع ، كالقضايا العقلية أو المشعرة عن الطلب / ٢٠٨ MB / أو التحسّر أو التمني كالانشائيات ـ ، وعلى هذا يطلق الكلام بالاشتراك المعنوي على ثلاثة اقسام :
أحدها : الكلام اللفظي الّذي هو في عالم الحسّ ، وعلى هذا لا يكون إلاّ بالحرف والصوت ؛
وثانيها : الكلام اللفظي ، لكن باعتبار عالم المثال ؛
وثالثها : مجرّد المعنى المقصود ، وهو الّذي لا يكون من جنس الحروف والأصوات مطلقا. وهذان الأخيران بلا صوت وحرف في عالم الحسّ وإن كان الثاني بالصوت والحرف في عالم المثال. فما ذكرناه سابقا من أنّ المعنى المقصود بإلقاء الألفاظ هو الكلام بالحقيقة عند الغزالي المراد منه انّه أقوى الفردين وإن كان الفرد الاضعف ـ أعني : اللفظى ـ أيضا كلاما بالحقيقة. ومن نظر إلى أنّ معاني الألفاظ هي المنبئة عن الواقع أو المشعرة عن الطلب ونحوه بلا واسطة حكم بأنّ استعمال الكلام فيها بالحقيقة وفي غيرها بالمجاز وإن اشتهر فيه ؛ ولهذا قال الشاعر :