منه العقل يسمّى ماهية ، فماهيات الأشياء منتزعة عن حقائقها.
ثمّ ما يحصل في الذهن من الماهيّة لا يمكن أن يكون مع الوجود الخارجي وإلاّ كان الذهن خارجيا ، بل ما يحصل في الذهن ليس إلاّ المنتزع من الوجود الخارجي.
ثمّ الموجود لمّا كانت مركّبة من الماهية والوجود فالعقل يحلّلها إلى شيئين : حقيقة ، ووجود خارجي ، وما ينتزع من حقائقها فهو المهيات ، وما ينتزع من وجوداتها الخاصّة الخارجية فهو الوجود الاعتباري الانتزاعي ؛ وامّا الواجب فلمّا كان وجوده عين حقيقته ولم يكن له حقيقة سوى الوجود فما ينتزع منه لا يكون ماهيّة ، بل المنتزع / ٢٣٢ DB / هو الوجود الاعتباري الانتزاعي ، ولهذا صرّح المحقّقون بنفي الماهية عنه ـ سبحانه ـ. وما هو القائم مقام الماهية في الواجب ليس إلاّ مفهوم الوجود ، إذ كما أنّ المهيات تنتزع / ٢٣٠ MB / من حقائق الممكنات من غير اعتبار أمر خارج كذلك مفهوم الوجود ينتزع من صرف الوجود الّذي هو عين ذات الواجب بلا ملاحظة أمر آخر ، فالماهية في الواجب ـ أي : ما ينتزع من ذاته ـ ليس إلاّ مفهوم الوجود المنتزع ، إذ لو انتزع منه ـ سبحانه ـ سوى هذا المفهوم مفهوم آخر هو الماهية لزم أن ينتزع من واحد بسيط بنفسه من دون اعتبار حيثية أخرى مفهومان مختلفان ، وهو باطل ، فماهية الواجب عين وجوده في الذهن ـ وهو الوجود الاعتباري المنتزع ـ ، كما أنّ وجوده الحقيقي ـ أي : ما هو منشأ انتزاع الوجود الاعتباري ـ عين حقيقته في الخارج. وهذا هو ما صرّح به المحقّقون من أنّه كما أنّ الوجود الحقيقي للواجب عين حقيقته في الخارج فكذلك الوجود المنتزع عنه عين مهيته في الذهن ، فالماهية بالحقيقة منفية عنه ـ سبحانه ـ. ولذا صرّح الحكماء بأنّ الواجب ليس له كنه ، لأنّ المراد من « الكنه » هو الماهية من دون الوجود ، ولو كان المراد من الكنه هو الوجود الخارجي وكان مرادهم من نفي الكنه عنه حينئذ انّ كنهه لا يمكن أن يصير معقولا ـ لأنّ الوجود الخارجى من حيث هو وجود خارجى لا يحصل في الذهن ـ ، ورد عليه : إنّ نفي تعقّل الكنه بهذا المعنى لا يختصّ بالواجب ، لأنّ كلّ موجود خارجي من حيث انّه موجود في الخارج لا يمكن أن يحصل في الذهن.