افتقارا بحيث يكون جميعها في سلسلة واحدة ـ ولهذا قال بعضهم : « إنّ مجموع العالم بمنزلة حيوان واحد واجزائه بمنزلة اعضائه » ـ وإذا كان أجزاء العالم مرتبطا بعضها ببعض على الوصف الحقيقي والنظم الحكمي بحيث كانت جميع اجزائه في سلسلة النظام كثيرة الفوائد والمصالح لدلّت على أنّ مبدعها واحد محض وصانعها فرد صرف. وكما أنّ كون اعضاء شخص واحد من الانسان مؤتلفة تأليفا طبيعيا مرتبطة بعضها ببعض منتفعة بعضها عن بعض في رباط واحد وإن وجد كلّ واحد منّا ممتازا عن غيره بحيث الطبيعة يدلّ على أنّ مدبّرها وممسكها عن الانحلال قوّة واحدة ومبدأ واحد فكذلك الحال في اجسام العالم وقواها حال كونها مع انفصال بعضها عن بعض وتفرد كلّ منها بطبيعة خاصّة وفعل خاصّ يمتاز به عن غيره مرتبطة منتظمة في رباط واحد مؤتلفة ائتلافا طبيعيا يدلّ على أنّ مبدعها ومدبرها وممسكها عن أن ينفصم واحد حقيقي ، إذ لو كان في العالم خالقان لتميز صنع كلّ واحد منهما عن صنع غيره ، فكان ينقطع الارتباط ويختلّ النظام ـ كما دلّ عليه قوله سبحانه : ( لَذَهَبَ كُلُّ إِلهٍ بِما خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ ) (١) ـ ، ولمّا كان العالم واقعا على هذا الانتظام ، بل كان فيه خلل وفساد ـ كما دلّ عليه قوله ـ تعالى ـ : / ٢٤٤ MA / ( لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلاَّ اللهُ لَفَسَدَتا ) (٢) ـ ، وبالجملة كون جملة العالم مع تفنّن حركاتها وتخالف اشكالها وتغيّر آثارها المتولدة من تاثير الاباء العلوية في الأمهات السفلية مؤسّسة على الاختلاف الطبيعي والرصف الحكمي دالّة بوحدتها الطبيعية الاجتماعية على الوحدة الحقّة الحقيقية.
وممّا يدلّ على وحدة إله العالم إنّه قد ثبت أنّ واجب الوجود بذاته واحد لا شريك له في الوجوب الذاتي ـ بل في حقيقة الوجود ـ ، وكلّ موجود سواه ممكن بذاته وبه صار واجبا وموجودا ، فمن وجوب استناد كلّ الموجودات / ٢٤٦ DB / وارتقائها إليه ـ تعالى ـ يلزم أن يكون وجودات الأشياء كلّها من واحد هو الواجب الوجود بذاته ؛ بل نقول : قد تحقّق أنّ الواجب بذاته هو الوجود الحقيقي والموجود في حدّ ذاته وغيره ليس موجودا في نفسها وإنّما يكون موجوديته باعتبار انتسابه إليه ـ تعالى ـ ، وإنّ
__________________
(١) كريمة ٩١ ، المؤمنون.
(٢) كريمة ٢٢ ، الأنبياء.