وغيرها ممّا يتعلّق بالموادّ عن العاقلية وبالموجودية بالفعل ؛ والقيام بالذات يخرج الهيولى عن العاقلية ، لانّ الهيولى ليست موجودة بالفعل ، بل هي جهة القوّة دائما في الموجودات المادّية. فكما أنّها جهة قوّة الوجود فكذا جهة قوّة العالمية فيما يتعلّق بها من الأشياء كالنفوس الّتي هي عاقلة ومعقولة بالقوّة ثمّ تصير عاقلة ومعقولة بالفعل ، ولا يبعد أن يدّعى خروجها عن العاقلية بالتجرّد ، لانّ التجرّد المستلزم للتعقّل إنّما هو البراءة عن المادّية ، وعين المادّة كيف يكون عرية عن المادّية؟. وبالجملة ما ذكرنا في دليل انحصار التعقّل في المجرّد من التحليل ومن لزوم كون محلّ المجرّد المعقول مجرّدا انّما يتأتى في المجرّد الموجود بالفعل القائم بذاته المنحصر بالواجب ، والجواهر المجرّدة من العقول والنفوس والصور الجمادية والهيولى وغيرهما من المادّيات ليست كذلك.
وعلى ما ذكره الحكماء في دليله من أنّ التعقّل عين حصول الشيء للمجرّد القائم بذاته والمجرّد نفسه حاصل لنفسه فيكون متعقّلا لنفسه يخرج الأمور المذكورة أيضا ؛ امّا الصور الجمادية فلأنّ أنفسها وماهيتها لم تحصل لها ، بل هي حاصلة للموادّ ولم تحصل ماهيتها لها أصلا ، بل لا يحصل لها شيء أصلا فانّ القائم بالغير الحاصل له يكون انيته بعينها انيته للمحلّ ، فلو حصل له شيء يكون حصوله في الحقيقة لمحلّ الصورة والعرض لا لهما ، فانّ ما ليس له حصول في نفسه كيف يحصل له شيء؟!. وعلى هذا فالصور الجمادية وغيرها لا يحصل لها شيء أصلا فضلا عن حصول ماهياتها لها ، فلا يتحقّق لها التعقّل ؛
وامّا الهيولى فانّها وإن لم تحصل وجودها لشيء آخر إلاّ أنّها ليست موجودة بالفعل حتّى يدّعى حصول وجودها لذاتها ويلزم كونها عالمة بذاتها ، لكون العلم عبارة عن نحو الوجود للشيء ، قال بهمنيار في التحصيل : « واقوى الموجودات هو الوجود المستغني من الماهية وأضعف الموجودات ما حقيقته القوّة ، وهذا هو الهيولى ، فما وجوده اقوى الموجودات فهو اقوى في باب المعقول » ؛ انتهى. وقال بعض المشاهير : انّ قوله : « اضعف الموجودات ما حقيقته القوة » اشارة إلى لمية كون الهيولى غير عالمة بذاتها ، فانّ العلم ليس الاّ الظهور والانكشاف ، وليس للهيولى وجود بالفعل في حدّ ذاتها فليس لها ظهور وانكشاف لذاتها ، إذ الظهور والانكشاف ليس الاّ للوجود بالفعل.