ولا ريب انّ هذه العبارة تدلّ على أنّ مختاره المذهب الرابع ، فان قوله : « فان تعقل ذاته وما يوجبه ذاته المعقولة من صور الموجودات » تدلّ على تقدّم معقولية صور جميع الموجودات على ذواتها ومنشئية تعقّل صورها لايجادها في الخارج. وعلى المذهب الخامس لا يكون تعقّل الجوهر الأوّل بصورته ، بل بحضوره عنده.
ثمّ قال بعد ذلك : « فبقى لك النظر في حال وجودها معقولة أنّها تكون موجودة في ذات الأوّل كاللوازم الّتي تلحقه ، أو يكون وجودها مفارقا لذاته ـ تعالى ـ وذات غيره أيضا كصور مفارقة على ترتيب موضوعة في صقع الربوبية ـ وهي المثل الأفلاطونية ـ ، أو يكون موجودة في عقل أو نفس إذا عقل الأوّل هذه الصور ارتسمت في ايّها كان ، فيكون ذلك العقل أو النفس كالموضوعة لتلك الصور المعقولة ، وتكون معقولة له على انّها فيه ومعقولة للاول على أنّها عنه (١).
ثمّ قال : وإن جعلت هذه المعقولات اجزاء ذاته عرض تكثر ، وإن جعلتها لواحق ذاته عرض لذاته أن لا يكون من جهتها واجب الوجود لملاصقته ممكن الوجود ، وإن جعلتها أمورا مفارقة لكلّ ذات عرضت الصور الافلاطونية ، وإن جعلتها موجودة في عقل ما عرض أيضا ما ذكرناه قبل هذا من المحال (٢).
وما ذكره قبل هذا هو انّه لو كانت تلك الصور المعقولة / ١٣٨ MB / مرتسمة في عقل او نفس لدخلت في جملة ما تعقل الاول ذاته مبدأ له فيجب ان يكون صدورها عنه على سبيل الخير ـ أي : على سبيل ما اذا عقله خيرا اوجده وننقل الكلام إلى ذلك التعقّل ويتسلسل.
ثمّ قال : « فينبغي أن تجتهد جهدك في التخلّص عن هذه الشبهة وتتحفّظ أن لا تتكثّر ذاته ولا تبالي بان تكون ذاته مأخوذة مع اضافة ما ممكنة الوجود ، فانّها من حيث هي علّة لوجود زيد ليست بواجبة الوجود ، بل من حيث ذاتها. وتعلم انّ العالم الربوبي عظيم جدا » (٣) ؛ انتهى.
__________________
(١) راجع : نفس المصدر ، ص ٣٦٤.
(٢) راجع : نفس التعليقة السالفة.
(٣) راجع : نفس التعليقة السالفة أيضا.