معلوما للنفس فانّما يكون معلوما على وجه كلّي ، لانّ العلم الانطباعي الارتسامي الحاصل للمجرّد لا يكون إلاّ كلّيا.
وممّا يؤكّد ذلك انّ مبلغ علم كلّ نفس بذاتها هو أنّها تعلم أنها حقيقة مجرّدة متّصفة بكذا وكذا ، وهذا لا يكون الاّ كلّيا وان انضمّ إليه الف مخصّص من الكلّيات ، وكذا مبلغ علمه بخياله وواهمته وتخيّله وبدنه الخاصّ به ، فانّ المعلوم له من كلّ واحد منها انّ له قوّة أو بدنا من شأنه كذا وكذا ؛ وبالجملة انّ علم كلّ نفس بكلّ واحد من ذاتها وقواها وآلاتها إنّما هو على الوجه الكلّي ـ أي : يعلم أنّ واحدا منها متّصفا بصفة كذا وكذا من الصفات الكلّية ـ ، ولا ريب في كونه علما انطباعيا يتجرّد فيه الصور عن الأشياء الخارجية وتحصل للنفس. وعلم كلّ نفس مجرّدة لنفس أخرى وقواها وآلاتها أيضا من هذا القبيل. وإذا علم المذكورات على وجه جزئي بأن يعلم من حيث عروض المادّيات ـ من الوضع الخاصّ والأين الخاصّ لها ـ فالعالم بذلك انّما هو بعض القوى الجسمانية دون النفس الناطقة ، ولا نسلم انّ المدرك لها حينئذ هو النفس. وحينئذ فمن أين يعلم انّ المدرك لهذه المذكورات هو النفس بالعلم الحضوري على وجه جزئي بأن يلاحظها ملاحظة حضورية من حيث كونها جزئية بسبب الارتباط الحاصل بين النفس وبينها ، أعني : كون المعلوم الحاضر نفس العالم ـ كما في علم النفس بذاتها ـ أو كون المعلوم متعلّقا بالعالم تعلّقا خاصّا ـ كما في علمها بقواها وآلاتها ـ ؛
قلنا : لا ريب في أنّ المراد من علم النفس بذاتها هو انكشاف ذاتها عندها وظهورها بين يديها وتعقّلها بأنّها هي ، وهذا لا يتوقّف على صورة زائدة أصلا وعلمها بأنّ حقيقتها كذا وكذا. وبالجملة تحديد ذاتها وتعريفها بالصفات الذاتية أو العرضية لا مدخلية له بما هو المقصود من العلم الحضوري الحاصل للنفس بذاتها ، لأنّه لا شبهة في أنّ علمها بأنّ حقيقتها كذا وكذا من العلوم الانطباعية لأنّه من العلوم التصورية أو التصديقية وكلاهما من اقسام العلم الحصولي ، وما نحن فيه ـ أي : حضور الذات للذات ـ غير هذين القسمين.
وممّا يظهر المطلوب انّ كلّ ما يقوم بذاته غير متعلّق الهوية والوجود بشيء آخر