كما ظنّ ـ ، ولا ريب انّ مجرّد الحضور بمعنى عدم الغيبة لا يستلزم التعقّل ـ كما مرّ مرارا ـ.
ولو اراد بالحضور ما هو المساوق للانكشاف منعنا تحقّق الحضور ، على أنّ الوجود إذا كان عبارة عن كون المجرّد بأحد الاعتبارين لم يكن إلاّ عقلا ، فكيف يكون عاقلا ومعقولا ، بل يلزم ممّا ذكره أن يكون ذاته عاقلا ومعقولا ، لا وجوده ؛
وإن اراد بالوجود ما يعمّ الذات لم يجتمع الثلاثة في شيء واحد ، لأنّ العاقل والمعقول هو الذات والعقل هو كونها ـ أي : وجودها ـ باحدى الاعتبارين.
قيل : ويمكن أن يحمل الوجود المجرّد عن المادّة في كلامه على واجب الوجود ـ تعالى ـ لا على الموجود المجرّد عن المادّة الزائد وجوده على ذاته ، وحينئذ فكون وجوده عقلا وعاقلا ومعقولا ظاهرا لا كلفة فيه. لأنّ ذاته لمّا كان صرف الوجود فكونه ـ الّذي هو وجوده ـ عين ذاته ، فلمّا كان العقل هو كون حضور مجرّد عند مجرّد آخر أو كون مجرّد بحيث حضر عنده مجرّد آخر ووجود الواجب هو عين هذا الكون فيكون عقلا ، ولكون هذا الوجود عين ذاته يكون عاقلا ومعقولا.
ثمّ هذا على فرض تسليم كون الحضور المذكور ـ أي : حضور الذات عند الذات بمعنى عدم الغيبة ـ عين الادراك والتعقّل ؛ وقد عرفت ما فيه.
ثمّ ما ذكره بهمنيار بقوله : « ثمّ ليس ينعكس الموجبة الكلّية » غرضه انّ الحكماء ذكروا انّ كلّ معقول مجرّد بالفعل عن المادّة ، فجعلوا مجرّد المعقولية سببا للتجرّد ، ولم يحكموا بمجرّد اثبات انّ كلّ معقول مجرّد أنّ كلّ مجرّد أيضا معقول حتّى يرد عليهم حينئذ انّ الموجبة الكلّية لو كانت منعكسة إلى موجبة كلّية لكان اثبات الأصل كافيا في اثبات العكس ، لانّ العكس من لوازم الاصل واذا ثبت الملزوم ثبت اللازم ، لكن لا ينعكس الموجبة الكلّية إلى الموجبة الكلّية / ١١٩ MA / ولو حكموا بثبوت العكس بمجرّد ثبوت الأصل لورد عليهم ـ مضافا إلى ورود لزوم انعكاس الموجبة الكلية موجبة كلّية ـ لزوم حصول الاستنتاج من موجبتين كليتين في الشكل الثاني ، إذ يصير القياس حينئذ هكذا : الذات الغير المادّية القائمة بنفسها مجرّدة عن المادّة ، والمعقول من كلّ شيء بالفعل ذات مجرّدة ؛ فينتج : الذات الغير المادّية القائمة معقولة بالفعل. و/ ١١٤ DA /