وان اراد : انّه معقول بالفعل لذاته فهذا انّما يصحّ إذا ثبت كونه عاقلا لذاته ، ومن لم يسلّم كون كلّ مجرّد عاقلا لذاته كيف يسلّم كونه معقولا لذاته؟!. وبذلك يظهر فساد ما فرّع ورتّب عليه ـ أعني : قوله : « فهو عاقل لذاته » ـ ، فانّه إن لم يكن عاقلا لذاته لكان معقولا بالقوّة ، لانّ القدر المسلّم من معقوليته ـ على ما ذكره هنا ـ انّه لا مانع فيه من المعقولية بحيث لو كان هناك عاقل لعقله من دون احتياج إلى تجريده. وهذا القدر من المعقولية يمكن أن يكون باقيا مع عدم كونه عاقلا لذاته ، لانّ عدم كونه عاقلا لذاته لا ينافي كونه بحيث إذا تحقّق عاقل عقله ،
فان أراد بالمعقول بالفعل هذا القدر من المعقولية وبالمعقول بالقوّة ما لا يكون كذلك ـ أي : لا يكون بحيث إذا تحقّق عاقل عقله من دون احتياج إلى شيء آخر من تجريد أو غيره ـ فيكون المنع ظاهر الورود على قوله : « إن لم يكن عاقلا لذاته لكان معقولا بالقوّة » ؛
وإن اراد بالمعقول بالفعل المعقول لذاته بالفعل ـ أي : ما هو الظاهر المتبادر من هذا التركيب ـ وبالمعقول بالقوّة القدر المذكور من المعقولية ، ففيه : انّ كونه معقولا لذاته بالفعل انّما يثبت إذا ثبت كونه عاقلا لذاته ، وهل الكلام الاّ فيه؟.
والحاصل : انّ هذا البيان انّما يصحّح كون المجرّد معقولا بالمعنى المذكور ـ أي : كونه بحيث اذا فرض تحقّق عاقل عقله ـ ولا يصحّح كونه عاقلا ومعقولا لذاته.
ولو قيل : انّ بيان ذلك ـ أي : كونه عاقلا ومعقولا لذاته ـ انّما احالة على ما تقدّم من أنّ معنى العاقلية ليس إلاّ كون الشيء موجودا قائما بذاته حاضرا لديه شيء ، ومعنى معقوليته انّما هو كونه موجودا لموجود قائم بذاته ، وهو ـ أي : المجرّد ـ لكونه قائما بذاته موجودا لذاته القائمة بذاتها غير غائب عنه ذاته تكون ذاته حاضرة عند ذاته ، فيكون عاقلا ومعقولا لذاته ؛
قلنا : لو كان غرضه اثبات معقولية المجرّد وعاقليته لذاته بالفعل بهذا البيان فهو / ١٩ MB / قد ظهر من كلماته السابقة ، فأيّ حاجة إلى اعادته؟!.
ومع ذلك قد عرفت ضعفه وعدم تماميته ؛ هذا.